مفارقات غريبة تتضح جلية عندما نتفحص شخصيات مهمة في حياتنا يؤدون فريضة الحج في هذا العام، بل ان المستكشفين لطريقة ادائهم سيرى عالماً مختلفاً يعج بالمفارقات، فهؤلاء الأشخاص يمثلون ذوي الاحتياجات الخاصة، والذين يشاركون في الحج أما حجاجاً او منظمين او علماء دين وحتى احيانا مرشدين، وكذلك منهم المتسولون ومستحلبو الدموع ولعل ما يمكن ان يشد أي متتبع لسير هذه الفئة في المشاعر هذه الاختلافات والمتناقضات لذوي الاحتياجات الخاصة بين مستفيد من الإعاقة وبين مستغل لها في امور لاتجوز بل انها تعكس نوعاً من عدم الرضا أمام الآخرين ولاتترك احتراماً أو تقديراً لهذه الفئة. "الرياض" طرقت هذا الموضوع في الحج واستعرضت الكثير من جوانبه لمعرفة وجهات نظر أصحابها حول الإعاقة والتعامل معها في الحج. تحمل المشقة طمعاً في الأجر بداية قمنا بجولة في المشاعر المقدسة للارتقاء بعدد من ذوي الاحتياجات الخاصة كل حسب اعاقته وكيفية التعامل معها والظهور امام المجتمع فخرجنا من هذه الجولة بالحصيلة التالية. صديق احمد مصطفى من مصر مشلول القدمين يقول لا أظن ان الإعاقة سوف تمنعني من اداء الركن الخامس من اركان الإسلام، وكما ترى رغم الجهد الذي ابذلة لاكمال الفريضة الا أنني أسأل الله ان يمنحني القدرة على اكمال فرضي ويتقبل حجي، فليس منطقياً أن اجعل هذه الإعاقة سببا في امتناعي عن أداء الحج وفي نظري ان الجميع ينظر إلي باعتزاز لان الإعاقة انا من اتحكم بها وليست هي، وأنا أدعو الله عز وجل ان يساعدني على إكمال فريضتي وان يبلغني القدرة على الزواج، اما أن اقف مكتوف الأيدي أتأمل الجميع وهم في سكينة وخشوع واقول انني معاق فهذا مستحيل. الحاج محمد ولد احمد موريتاني كفيف بدوره يرى ان اعاقته البصرية هي دافع له للتمسك بالله وفعل الخير والطاعات وان الحج فرض مهم وليس في إعاقتي ما يمنع من ادائها بل على العكس هي جزء من حماسي لاداء الفريضة، وأنا فخور انني كفيف وامارس حياتي وعباداتي بكل يسر وانا لا انكر ان ظروف كثيرة قد نعاني منها في اداء المناسك الى ان ذلك ليس حجة لعدم اجتهادي ومن انا امام علماء ومفكرين كفيفي البصر هم رموز الأمة بل وقادتها في علمهم وادبهم والأمثلة كثير على ذلك. ومن النماذج التي سخرت الإعاقة تلبية للطاعة واداء الفريضة بالشكل المطلوب سالم صالح عبدالحق سوداني الجنسية مصاب بشلل شبه كامل يساق على عربة وليس لديه سوى لسانه وعيناه ومع هذا قدم للحج طالبا للمغفرة ويصف موقفه في المشاعر بأنه الأمنية التي ظل طيلة حياته يحلم بها وهاهي تتحقق مضيفاً أن الإعاقة يمكن ان نسخرها في صالحنا ولهذا انا هنا ولن أكون يوما ما ضعيفا او منهزماً بسب الإعاقة فعندما قدر الله علي بهذه الإعاقة ترك لي عقلاً افكر به ولسان لاتكلم واعبر به وعينين أبصر بهما أليست هذه نعمة والله اني اشكر الله كل يوم ان ابقى لي هذه الحواس. ويعتقد عزت فتين من لبنان والذي فقد قدمه اليمنى اثر انفجار لغم انه يتحدى اعاقته باداء نسكه بكل قدر وامتنان لفضل الله الذي منحني الفرصة لأداء مناسك الحج، ولعلها فرصة لاثبات القدرات في هذا الزحام وسط افواج الحجيج وانا بعكاز وانظر الى نظرات الناس من حولي الكل يبحث عن مساعدتي بعضهم من باب الشفقة وآخرون رغبة في الأجر ولكني أقف أمامهم بحزم وجسارة وقوة كوني قادراً على ان أكون مثلهم وأؤدي فريضتى على اكمل وجه، فما الذي يعيبني فانا في كامل صحتي ولن اكون عالة على احد إن شاء الله. مفتي احد الحملات الخليجية رجل كفيف يقول هو ايضا ليس هناك من شيء افضل ان تؤدي فريضة تتعب فيها وانت تعلم ان تحمل اصابة قد لاتساعدك على ادائها بالشكل المطلوب، وعندما تثابر وتجتهد ويكرمك الله بأدائها والقبول عند الله فهذا شيء رائع ولهذا ادعو كل من لديه اعاقة ان لا ييأس وان يعمل من اجل طاعة الله والتركيز في الطاعات التي تثمر عن اجر كبير وإلا يرى إعاقته انها عجز وحسرة بل قوة ودافع نحو الإنجاز والفلاح. الوجه السلبي للإعاقة الوجه الآخر للإعاقة يتجلى في صور استغلالية رخيصة تحول مفهوم الإعاقة الى تجارة وكسب واستحلاب للدموع في موسم الحج فتصبح نظرة الناس إلى الإعاقة اشبة بالاستحقار والقلق في مثل هذه الظروف التي يتحول فيها المعاق إلى سلعة تجارية وصنعة لدر الكسب من الحجاج، واستغلال إعاقته اسوأ استغلال من اجل الكسب الحرام في هذا الموسم ورغم كل المحاولات التي اجرتها "الرياض" لاخذ لقاءات مع عدد من المتسولين ذوي الإعاقات إلا أن الكثير منهم رفض بل وجه أعاقته لتمكينه من الهرب والابتعاد عن عدسة "الرياض" ومع هذا وافق عدد منهم على الحديث إلينا بشكل مختصر إلا انهم لم يفصحوا عن اسمائهم خوفا من ملاحقتهم عن طريق الجهات المختصة او حملاتهم التي قدموا منها. أحدهم من الجنسية اليمنية قال لنا انه جاء إلى الحج وفي عقله ان يتسول ويستفيد من إعاقته قدر الإمكان للحصول على اكبر قدر من المال ويرى انه مناسب لذلك كونه فاقداً لقدميه وجزء من يده اليمنى وهو الأقرب لتعاطف الناس معه. آخر من جنسية افريقية يعاني من اصابات شديدة في جسدة إلا انه قادر على الحركة يقول ان له في مكة اكثر من سنه يمتهن التسول ومع قدوم الحج اتى الى المشاعر لختام رحلته بعد أن يمن الله عليه بالحج وكذلك الكسب الوفير من التسول، ويؤكد على ان اعاقته هي الأشد بين المتسولين كونها في الوجه وظاهرة أمام الناس ولذا تلفت الانتباه وتبث الشفقة في قلوب الحجاج وهذا يساعدني كثيرا على الكسب ويقول رغم انني احيانا احن على نفسي من هذه الطريقة إلا أنه ليس لدي حل آخر وهذا الحج فيه منافع للناس ورزق كبير لجميع المسلمين وهذا رزقي!!. ويشرح آخر تجربته مع التسول وهو كفيف بانه يعاني من اللصوص اللذين يسلبون ما يحصده طوال اليوم بعرفة ولهذا يجد صعوبة في الحفاظ على ما اكتسبه من مال، معبراً عن حزنه كونه كفيفاً وان اعاقته التي اكسبته المال هي السبب في فقدانه لانه لايستطيع حمايته كونه لايبصر.