تسلم ستيفان هيسيل أمس الثلاثاء في مقر منظمة اليونسكو في باريس خلال حفل مهيب جائزة المنظمة الدولية لثقافة حقوق الإنسان. وهي جائزة تمنح كل سنتين. وقد أنشئت قبل ثلاثين عاما باسم جائزة التربية لحقوق الإنسان فأصبحت تسمى جائزة ثقافة حقوق الإنسان باعتبار أن التربية أمر يتلقاه الفرد وأما الثقافة فهو مسألة يشاطرها كل واحد منا مع الآخرين. وتبلغ قيمتها خمسة وعشرين ألف دولار. وترعى مدينة بيلباو الإسبانية الجائزة. ولم يكن حصول الفرنسي هيسيل الذي تجاوز التسعين من العمر على هذه الجائزة وتسلمها أمس الثلاثاء أمرين تتدخل فيهما اعتبارات دبلوماسية أو سياسية لاعلاقة لهما بحقوق الإنسان. بل لأن مسار هذا الرجل يرمز بحق إلى الدفاع المستميت والجريء عن هذه الحقوق والمشاركة في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي مضت أمس الثلاثاء ستون سنة على صياغته في "قصر شايو" الباريسي الواقع غير بعيد عن مقر منظمة اليونسكو. مسار ثري فقد ولد ستيفان هيسيل في برلين عام 1917واستقر في فرنسا ولما يزل في الثامنة من العمر. وقد كان من المقاومين الذين تصدوا بقوة للنازيين الذين قبضوا عليه وكادوا أن يعدموه. ولكنه تخلص منهم بأعجوبة بعد أن انتحل هوية أحد رفاقه الذين كانوا ضحايا النازية. و بعد الحرب العالمية الثانية التحق بوزارة الخارجية.الفرنسية. وشارك شخصيا في تحرير بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يقول بنده الأول "يولد جميع الناس أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق. وقد وهبوا عقلا وضميرا. وعليهم أن يعامل بعضهم بعضا بروح الإخاء". ويفاخر ستيفان هيسيل اليوم بالمشاركة في صياغة هذا الإعلان الذي كان يرمز أساسا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية إلى معارك تهدف إلى تخليص الإنسان من الحروب والنازية والفاشية والميز العنصري. ولكنه يضيف قائلا إنه يشعر بالمرارة عندما يرى أن حقوق الإنسان البديهية ومنها الحق في الحصول على الخبز والماء و الرعاية الصحية والكرامة يداس عليها يوميا في بلدان الجنوب والشمال على حد سواء. بل إن هيسيل انخرط منذ اكثر من ثلاثين عاما في العمل الذي تأتيه المنظمات الأهلية لترسيخ ثقافة الكرامة والدفاع عن المستضعفين و المهمشين ومنهم العمال المهاجرون. ومن الوسائل التي سمحت لهذا الرجل المسن الذي تتحدث إليه فتخاله في مقتبل العمر بالحفاظ على شباب حماسه وقناعاته والتواضع والصبر والمثابرة والشعر أيضا. ولا يزال يتذكر أن الشعر هو الذي أنقذه من ويلات زنزانات النازيين. ويقول عن مملكة الشعر إنها جواز سفر بين المرئي وغير المرئي.