يوم (الثلاثاء) يوم تاريخي، وساعة مشهودة في تأريخ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، فقد تشرفت أنا وزملائي أعضاء مجلس الجامعة والمسؤولون فيها بلقاء ما أحب أن لي به حمر النعم، لقاء يسر به كل محب لدينه ووطنه عموماً ولهذه الجامعة المباركة خصوصاً. جمعنا الله من خلاله مع صاحب القلب الكبير، والعقل الوافر، والسياسة الحكيمة، والتجربة الناضجة، والرؤى المتزنة، والحكمة والسداد، مع أمير الأمن والفكر صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود، وزير الداخلية، حفظه الله وسدده ووفقه. والحق أنك حينما تقف أمام سمو الأمير تقف أمام الحكمة والنظر الثاقب والموسوعية في جوانب مختلفة، فإن تحدث عن ثوابت المملكة التي قامت عليها وعلى رأسها العقيدة الصحيحة فحديث من يعتقد ويدين الله بأن هذا سر التمكين والأمن التام في الدنيا والآخرة، ودائماً ما يردد - يحفظه الله - ان العقيدة والدين هي الأساس، وأن وطناً بلا عقيدة لا يساوي شيئاً، وجهوده المباركة، وأعماله الموفقة في هذا المجال لا تخفى، أما الجانب الفكري الذي هو أساس الأمن الحسي والمادي فإن أميرنا المحبوب ووزير أمننا قد حباه الله بميزات فريدة وخصائص عديدة، وأفق بعيد يوفقك من خلاله على أبعاد هذه الأفكار، ومخططاتها وتأريخها وتأريخ رموزها، وهذه الخبرة التي منحه الله إياها أنتجتها معايشه تامة، وجهد خاص في هذا المقام وبذل وتضحية، ومتابعة للقضايا الأمنية، وطول ممارسة، تجعل الحديث عن هذا الجانب الهام تجربة ناضجة، تكون أساساً يعتمد عليه في الاستراتيجيات التي تستهدف خطاب التطرف في كل وقت، لا سيما البنى التحتية التي يعتمد عليها منظرو هذا الفكر ورواده، وهذه السمات يلمسها القارئ والمستمع لأي حديث يتناوله سمو وزير الداخلية، لكن ذلك المجلس المبارك، الذي حظيت به الجامعة ممثلة في مسؤوليها وامتد ساعات طويلة، وتجسد فيه حديث الأمير كمواطن مخلص، وكمسؤول يحمل هم المسؤولية، ويشعر بثقل الأمانة، استمع الوفد إلى حديث القلب للقلب من سمو الأمير وأدرك الجميع من خلال هذا اللقاء المتميز ان امير السنة والفكر والأمن محقق ومطلع على أمور وأحوال وحقائق، وأنه جمع سماتاً وخصائص، وقدرات ومواهب يندر أن يجمعها رجل واحد مهما كانت قدرته، حيث تطرق إلى أمور مهمة وحساسة ومتنوعة كلها تصب في مصلحة الوطن والمواطن، وتهدف إلى إشراك الجميع كل بحسب تخصصه ومسؤوليته في تحمل الهم الأكبر للوطن، الا وهم أعداء الوطن، خارقو سفينة المجتمع الصالح، حملة فكر التكفير والتفجير والضلال والفساد، لتتم مواجهة هذا الفكر الشاذ، والمبدأ المنحرف وفق رؤية ناضجة، وأسس عملية وأساليب وأدوات فاعلة مؤثرة بإذن الله، وتتحقق تطلعات ولاة الأمر في كل شأن، وفي الجانب الأمني على وجه الخصوص، ومن خلال هذه الأسطر أحاول رسم أبرز المحاور والأسس التي دار حولها الحديث، فقد استهل سمو الأمير اللقاء بالترحيب بمسؤولي الجامعة كعادته، مبدياً سروره واغتباطه بهذه الفرصة، ثم تحدث بإفاضة عن حقيقة منهج هذه الدولة المباركة المملكة العربية السعودية، وما قامت عليه من أسس وثوابت، وأنها تشرفت بالحكم بالشريعة وخدمة العقيدة، وسيظل هذا المنهج أمام الزحف الهائل، والمعاداة التي توجه إلى هذه البلاد، وهذا شرف للقيادة وللوطن، ولأبناء الوطن، والأنظمة التي يراد منها تحقيق مصالح العباد ليس فيها ما يخالف الكتاب والسنة، وقال يحفظه الله: ومن المؤسف أن نجد من أبناء هذا الوطن من يخالف، وأسوأ هؤلاء من يرى المثال له في حياة الغرب ونظمه ودساتيره، والإسلام منهج شمولي لا ينحصر في وسائل الدعوة وأساليبها بل هو منهج يحكم شؤون البشر من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى يومنا هذا. هكذا يرى قادتنا وولاة أمرنا أن قضية الأسس لا مجال للمساومة عليها، ولكنها نظرة واعية ثاقبة مدركة وهي: أن الأخذ بالعقيدة والأصول لا يمنع من مسايرة التطور، ومواكبة مستجدات العصر، لأن الدين معنى شمولي ينتظم أمور الحياة، والأخذ به والتمسك بأحكامه وأخلاقه سبب للارتقاء والتطور. ثم يتحدث سموه عن مسائل تأريخية، وعن بساطة الحياة والعيش، وسلامة قلوب السابقين، وسهولة معالجتهم لمشاكل الحياة التي تطرأ، ثم نقلنا سموه - يحفظه الله - من هذه النقطة التي تعد مدخلاً وإشارة إلى سبب تغلغل أصحاب الأفكار، فما كان يتمتع به السابقون من محبة للتدين، وعاطفة، وحسن نية استغل استغلالاً سيئاً من أصحاب الغالي والمتطرف، بل وكان هذا التصرف منهم في مقابل الإحسان إليهم، فقد قاموا في بلادهم بحركات سياسية، واخترقوا أجهزة الأمن والجيش، فلما جوبهوا بقوة، وقتل منهم من قتل وشرد من شرد اتجهوا إلى هذه البلاد في ذلك الحين باسم الإسلام، فرحبت هذه البلاد بهم، وقدرت لهم هذه المعاناة، وقوبلوا بالتقدير والاحترام، وعاشوا عيشة كريمة مثل أهل الوطن، وذلك في مقابل التأكيد لدولهم ولهم ان لا يقوموا بأي تحرك ضد المملكة، ولا ضد بلدهم، وحينها أشار من أشار من علمائنا بحسن نية إلى مشاركتهم في التعليم والاستفادة منهم، وكان المفترض ان يأخذوا بتعاليم الإسلام، ويكون مقابلة الإحسان عليهم بالإحسان منهم، لكنهم للأسف قابلوا إحسان هذه الدولة التي رعتهم وآوتهم بالإساءة، وقدموا الفكر والمبدأ قبل العلم، يقول سموه - حفظه الله - كنا نلمس هذا وللأسف، وبكل ألم خلال هذه السنوات الطويلة من خلال مخرجاتهم، هناك ممن تخرجوا على أيديهم من أخذ العلم الصحيح وترك ما لا يصلح، ولكن هناك من أعجب بفكرهم، وسار على طريقهم، وكان أول المخالفات وبداية الانحرافات: السرية في التصرفات، وانتهاج الكذب والمخادعة التي لا يمكن أن تكون سمة للمسلم في أي عمل فقد يفرط من المسلم ذنوب لكنه لا يكذب كما قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا يقدم صاحب السمو - حفظه الله - قراءات عايشها لواقع اصحاب هذا الفكر، وكيف تغلغلوا الى هذا الوطن الآمن، وهي قراءات اثبتها الواقع، وأبان خطرها أميرنا المبارك بصراحة متناهية، وطالب الجميع ان يصححوا الأخطاء ويسددوا الثغرات ويبتعدوا عن المجاملة، فالرجال يواجهون الرجال، والفكر يواجه بفكر، ولابد من الصراحة والمواجهة بالملاحظات كمنهج واضح لا سرية فيه ولا أسرار، فنحن اخوان وأبناء وطن واحد، كل منا يهمه ما يهم الآخر في هذا المجال وغيره، وصاحب السمو الملكي وهو يوجه بهذه التوجيهات المباركة ويقف هذه الوقفات الهامة مع تاريخ هذا الفكر، ويوقفنا على مكامن الخلل، ومواطن الخطر ويصارح الجميع بمثل هذه المعلومات المهمة عن هذه الأفكار التي تستهدف عقيدتنا ووطننا ووحدتنا وولاة أمرنا هو بذلك يمثل المنهج الشرعي، ويتمثل المبادئ التي جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم أسساً للتعامل بين الراعي والرعية فقد قال فيما اخرجه الإمام مسلم من حديث تميم الداري "الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة، قالوا لمن يا رسول الله، قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم". ومن محاور الحديث الذي دار في اللقاء المبارك، حيث تعرض سموه لبعض الأخطاء التي وقعت، والمظاهر التي لا تتفق مع الفهم الصحيح، والفكر السليم، ولكنه أبان ان هذه الأخطاء، لا تعيب المؤسسات والأجهزة التي قامت عليها الدولة ورعتها، وخصوصاً جهاز الحسبة الذي يدعمه سموه، ويقف معه موقفاً داعماً، ويرد وبقوة على من اراد النيل منه او استهدفه بأي صورة من الصور، وما ذاك الموقف الذي لمس فيه من أحد الصحافيين لمز هذا الجهاز، فكان رد سموه عليه بسؤاله: هل أنت سعودي؟ إلا شاهد على هذه الرعاية والدعم. ثم يأتي المحور الذي افاض فيه سمو الأمير - حفظه الله - وأضفى على الحضور جواً من البهجة والأنس والسعادة من وجه، واستشراف عظم الأمانة والمسؤولية من وجه آخر، وكانت كلماته النيرة، وعباراته المؤثرة، ونبرته الصادقة، ونظرته ونظراته الدافعة لكل عمل، حديثه المشجع عن هذه الجامعة العريقة، وتاريخها وما تعيشه في هذه المرحلة على وجه الخصوص، فقد كان حديثه عن الجامعة حديث المعايش لها ولواقعها لحظة لحظة، ومرحلة مرحلة منذ ان كانت نواة بمعاهد علمية حتى اصبحت جامعة تحمل اسم مؤسس الدولة السعودية الأولى، وما مر بها من تطورات وأحداث وشخصيات، مركزاً سموه على الجانب الفكري، واستهل حديثه المبارك بقوله "هذه الجامعة من الجامعات المهمة، التي علقت عليها الدولة وقيادتها ومواطنوها آمالاً كبيرة، بل حتى العلماء وطلبة العلم، بل وحتى خارج الوطن، ينظر اليها نظرة خاصة سلبية كانت او ايجابية، فمن كان مسلماً مؤمناً سينظر اليها نظرة ايجابية كجامعة اسلامية في وطن الرسالة السماوية، وإن كان غير ذلك فسيتأفف ويعمل ما يسيئ للجامعة، ثم قال: "والأساس في هذا العلم دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - وهذه الدولة ستبقى بإذن الله على هذه العقيدة، وليس لنا شأن ولا نصر في الدنيا الا بالتمسك بها، وفي تقديمها للعالم بشكلها الصحيح، وكل من يتصل بالجامعة او ينتسب اليها او يتخرج فيها سيجد هذا. ثم تعرض لما مر فيها من سلبيات وأخطاء، ولكن سموه - حفظه الله - طمأن الجميع بتلك العبارات التي نفتخر بها، ونعدها تاجاً على رؤوسنا وشهادة ابلغ من جميع الشهادات، لأنها صدرت من أمير الأمن والفكر، ومن متابع للجامعة وتاريخها، ومن مسؤول ومواطن محب، فقد صدرها بقوله "انا كمواطن عايش الجامعة والجامعات الاخرى في بلادنا اقول: الجامعة تختلف عما سبق، وما أراه اقوله، ما مر على الجامعة منذ تأسيسها مثل مرحلة تشكيلها الحالي العلمي والإداري بإدارتها ووكلائها، ونحن الآن ننظر نظرة تفاؤل، اقوله من موقع المعايش المعاين، لم يكن الأمر سابقاً كما يتمنى ولاة الأمر، الآن ولله الحمد الجامعة بوجودكم واختياركم لمن يقومون معكم بتصحيح وإصلاح الجهاز الكبير، حتى يأخذ شكله الصحيح، ويعطي النتائج التي نتمنى. وقال "المسؤولية المطلوبة كبيرة، لكن الرجال قادرون على ذلك وهم الصادقون مع الله ثم مع واجباتهم، ويجب ان ندعم الجامعة. بقي ان اسطر في نهاية هذه الكلمة ان ما يميز يلمسه المتابع لحديثه تلك المواطنة الحقة التي لم تؤثر عليها مسؤولياته الجسيمة، فهو يركز دائما على انه مواطن، وهذه الحقيقة الهامة والانتماء الصادق هو ما نحتاجه في مسيرتنا الوطنية، وما يدفعنا الى تحقيق مقومات المواطنة الصالحة التي تمثل النصح لولاة الأمر، والى الخلل فيها يعزى ما حصل من تجاوزات وانتماءات وولاءات جعلت بعض أبناء هذا الوطن الإسلامي المبارك يعادي وطنه، ويتعاون مع اعدائه ضده، بل ويخجل من هذا الانتماء الذي هو شرف، والله المستعان. وبعد فهذه مشاعر وخواطر، وإضاءات حول اللقاء المبارك الذي شرفنا به صاحب السمو الملكي أمير السنة والأمن والفكر، ولا يسعني في ختام هذه الكلمة الا ان اشكر الله سبحانه على نعمه وآلائه التي لا تعد ولا تحصى، واهمها وأعظمها نعمة التوحيد الخالص، والولاية الراشدة، والإجتماع والإلفة، وأسأل الله سبحانه ان يحفظها من كيد الكائدين، ثم الشكر اجزله والثناء أوفاه والدعاء اخلصه لصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز على ما قدمه للوطن عموماً، ولهذه الجامعة على وجه الخصوص، ونسأل الله سبحانه ان يعلي شأنه ويجعل التوفيق حليفه، أسال الله سبحانه ان ينصر به السنة والتوحيد، وأن يجعله علماً من أعلام نصرة الكتاب والسنة، وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين. *مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية