كانت تحدثني عن تجارب يومها الصاخب بحماس وكنت أسرق نفسي من حديثها بتأمل سؤال طالما تعثرنا أمامه زمن طفولة أبنائنا وبناتنا وما زلنا نحوم حوله كلما هاجمنا النقاش أو المواقف العائلية التي نجد فيها أبطالنا الصغار خصومنا الوهميين في نفس الوقت : ترى... من الذي يربي الآخر حقيقة الطفل أم الوالدان ؟ أعني إننا نلاحظ كيف تتباين شخصيات الصغار من الشهور الأولى أحيانا وكيف نشكو إن عاتبنا احد عن عدم التزامنا بأساليب تربية موحدة معهم جميعا بأن طبائعهم تختلف وكيف أن ذاك الصغير أو الصغيرة يستجيب لتوجيه مختلف أو لغة أخرى. لذا وجدت أنني استمع من جديد إلى صدى مخاوف وتساؤلات الأمومة من امرأة توقعت أن تكون سنوات نضجها عاملا مساعدا.. وليس معوقا . فهي تنغمس في دورها بتفان عجيب ..تستأثر بمسؤولية الموقع وخلاصة متاعبها وتفرض على أجواء بيتها حظر تجول حياتي غاصب.. كلما أراد الصغير أن يغط في قيلولة نهار مثلا. "إن أشكال الحياة لا يجب أن تتعطل بحلول الأطفال" يشكو زوجها أسوار عزلتها لمن حوله. مازحتها ذات يوم .. "ما هذا التسلط ؟ ألا تعودين طفلك على أصوات الحياة من حوله ؟ فقاطعتني في دهشة "ولكن ...كيف ينام وسط هذا الضجيج".. قلت لها ما أعرف وأجبت "أي ضجيج دعيه يألف محيطه قليلا". ولم تنجح محاولة التغيير ووجدت بأن الأم ربما باتت قلقة من تعثر آرائنا، عندها اكتشفت بعضا من عيوب الحب والمعرفة فجرني الإحساس إلى محاولة تسكين بعض من قلقها. قلت لها "كنت أعتقد بأن مخاوف الأمهات مع الطفل الأول ظضلله سنوات العمر المبكر، عدم التجربة والخوف من المجهول..الان أرى أمهات يبدأن تجربة الأمومة في سن انضج ومع ذلك فأحاسيسهن ومخاوفهن هي نفسها". ابتسمت بوهن وهي تسألني "من قال لك هذا ؟". أعترفت "لم يقل لي احد.. ربما توقعته". أجابت وهي تلاطف صغيرها "ليس صحيحا فقد تعلمت الكثير عن حقل الطفولة وعملت في مجال صحي واستمعت لتجارب الأخريات وما زالت تجربة الأمومة مختلفة عن توقعاتي". سألتها "أهو الطفل أو الأم أم المرحلة ؟". قالت في حيرة صادقة "لست متأكدة ولكنني ظننت أن طفلي سيكون مثل أي طفل آخر من عائلتي وصديقاتي". ابتسمت لبساطة المثل "هو كذلك فعلا". تداركت "لم اقصد هذا قصدت أن تجربتي معه ستكون مألوفة وسهلة بينما الواقع يؤكد لي يوما بعد يوم غربة توقعاتي". فعذرتها وخرجت ذلك النهار من عندها وفكري يدين جانبا من المرحلة وجوانب من المعرفة فمخاوف النضوج تبلغ أحيانا حدا يتسلط على طبيعة التكيف الفطري رغم الثقة المكتسبة ويمنع خاصية التأقلم المريح والتلقائي التي تميز تجربة الأم الأصغر عمراً في توقع واستعداد محايد لتقبل تلك الألفة الآتية والاتكاء على وصايا القريبات والعلوم الحديثة في تنشئة الصغار مما يحسب لها ولمرحلتها . هذه كانت بعضاً من سلبيات المرحلة أو التجربة واجهتني ذات يوم ولكن من المؤكد بأن هناك جمالياتها أيضا.