في وضعنا الغنائي العربي الحالي لايسعنا القول إلا.. (قديمك نديمك).. هذه المقولة المأثورة، التي أصبحت أؤمن بها بشكل قاطع لايقبل التردد ولا التراجع، هي الوصف الأدق والأسلم لما وصلنا إليه من حالة عجز وإخفاق غنائي وموسيقي. فوسط هذا الزحام والركام الذي يتساقط علينا من كل حدب وصوب من أحبائنا مطربي ومطربات العصر (الحالي)، جاءنا المدد الذي سيعيد النفس والحس الطربي إلينا من خلال فناني العصر (الماضي).. عصر (قديمك نديمك).. فمع أم كلثوم وفيروز وعبدالحليم وبليغ حمدي وطلال مداح وغيرهم من الذين استضافهم البرنامج المتميز (الدنيا غنوة) على قناة mbc الأربعاء الماضي قضينا أجمل وأحلى سهرة، هذه الاستضافة الرمزية لهؤلاء، الرموز والنجوم الكبار الذين وإن غابت فيها أجسادهم، لكن أرواحهم كانت حاضرة، تضفي على سحر أغانيهم الخالدة وتفاعل الجمهور معها في الأستوديو وخلف شاشات التلفزيون سحراً من نوع آخر، سحر الذكريات والماضي الجميل، ودفء الكلمات التي صاغتها عنهم ضيفة البرنامج الفنانة (غادة رجب) وهي تتذكرهم. غادة رجب هي نجمة غنائية من نجوم هذا الزمان، لكنها كما تقول تعيش في حلم لذيذ مع ذلك الزمان الشامخ، تتفاعل مع وتعيد غناء تلك الأغاني التي عاشت وتربت عليها، وصقلتها وكونت لها تلك الذائقة الرفيعة كما تقول، والتي تستلهمها لتشق وتواصل طريقها نحو عوالم الموسيقي والغناء. ولكن، حتى لو كان هذا الكلام من قبل غادة رجب كلاماً جميلاً وتعلوه نبرة من التفاؤل، فهو لا يتعدى كونه أحلاماً وأماني، الواقع يقول عسكها تماماً، فكثير من فناني عصرنا الحالي (الملتزمين) بالفن الراقي، لاتتسع لهم القنوات ولاتقبلهم إلا مثل هذه البرامج، برنامج (الدنيا غنوة) واخواته، ولانشاهدهم ولانستمع إلى فنهم إلا إذا سمعنا عنهم بالصدفة، أو أكثرنا البحث في أرشيف زماننا هذا ومرشدنا.. (الإنترنت)، هذه هي الحقيقة المرة شئنا ذلك أم أبينا. للأسف لا احترام للفن عندنا، وهو الذي لايزال يختلف فيه وفي شرعيته، ويعتبر إلى يومنا هذا من المياعة والترف، والمصيبة أنه لم يبق لنا إلا هذا الترف الذي لا صلة فيه لا للفن ولا للعقل ولا المنطق، وصلته الحقيقية هي فقط بالواقع الذي نعيشه والذي لايبشر أصلاً بأي بصيص للأمل.. ولكن، لندع فسحة قليلة من الأمل.. ونتأمل ونستمع إلى تلك الأغاني بجمالها وشبابها وأصالتها في (الدنيا غنوة) ونأمل أن تمتلئ دنيانا بأغاني الأمل والفرح والحياة.