من خلال احتلال السوفيات لأفغانستان، شكّل الشعب منظمات الدفاع الوطني، وقد التقطت أمريكا الفرصة لتداوي جراحها من فيتنام بانتقام مباشر من الغريم السوفياتي، وقد سجل الأفغان، انتصارهم على القوة العظمى، لكن الحليف الأمريكي اعتبر دوره منتهياً مع جلاء آخر جندي سوفياتي، وباعتبار هذا البلد يعيش جغرافية منعزلة تحيط به دول بعضها مهم، استراتيجياً، وبعضها الآخر على لائحة الاحتياط وخاصة في جدليات الحرب الباردة آنذاك يمكن فتح أبوابها لأي احتمال آخر، لكن لم يكن في إدراك أمريكا أن هذا البلد هو الذي سيقلب الطاولات ويكون المركز الأساسي لطالبان والقاعدة، وأكبر خط مواجهة مع العالم في مطاردات وحروب "تورا بورا" وأدغال وجبال حدود أفغانستان مع باكستان، ثم الانتشار بواسطة قواعد سرية وأجهزة معقدة، جعلت دول العالم مستنفرة أمام حالة إرهاب منظم غير مسبوق.. في الظرف الراهن أمريكا متورطة بالبلد العصيّ، تاريخياً على الغزاة، والمستعمرين، لكن حربه الداخلية بين طرفين يملكان قواعد شعبية، وداخل هذا التكوين الاجتماعي والديني قبائل وأحزاب، وتصدير مخدرات، وسوق جاذبة للإرهاب وتصديره، جعلت أمريكا نتيجة لهذا الوضع تحاول دفع كرزاي لمخاطبة الملا عمر وتأمين حياته، والدخول معه في حوار جاد ينهي قضايا التقاتل، غير أن الأخير لم تغره هذه الفرصة ربما لقناعات خاصة أن جبهة الحكم ضعيفة وأن عامل الزمن يأتي لصالح طالبان غير أن أمريكا تدرك أن استمرار الفوضى لا يعطي القوة فقط لطالبان، وإن كانت عملياتها مقتصرة على حدودها الداخلية، أو مع الجوار الباكستاني، عكس القاعدة التي تعتبر نفسها جبهة جهاد ضد العالم بأسره.. أفغانستان حقول ألغام طويلة، وأمريكا لا تريد أن تسجل هزيمتها في تكرار لما جرى مع السوفيات، ومن هنا جاءت الدعوة إلى مضاعفة القوات ونقلها من بغداد إلى كابول لكن هل الحل يمكن تبسيطه بهذه الإجراءات، طالما طالبان يتسع نفوذها وقوتها، وتحمي ذراعها الأخرى للقاعدة والتي تسجل انحساراً، لكنها لا تزال تقلق باكستان، وبقية الدول المستهدفة؟ السوفيات خسروا حربهم، لكنهم خرجوا من الورطة بقناعة انتهكت بتفكيك الدولة العظمى، ويعتبر بعضهم تورط أمريكا أكبر هدية في استنزافها، وطالما هناك قناعات سجلها التاريخ أن المقاومة لا تهزم، فأفغانستان أمام الإيقاع المأساوي جعلت شعبها يأخذ بخيار إما الاتجاه للحكومة المركزية، وهي التي لم تتقدم أي خطوة في بناء البلد أمنياً واقتصادياً، أو أن يذهبوا لطالبان لتأمين الأمن على الأقل، وفي هذا التنازع تبقى أمريكا، في نظر الأفغان عدوة الجميع حتى لو ظلت تدافع عما تعتبره خلق إصلاحات سياسية تؤدي إلى الديمقراطية والانفتاح على العالم وجلب الاستثمارات، لكن في بلد تحكمه قواعد قبلية وتراث مرير مع الغزوات والحروب وتخلف تام، يجعل المهمة صعبة، ولذلك جاء الاتجاه لمحاورة طالبان، كمبادرة، بمبرر تجربة الحوار بدلاً من الحرب المديدة، ومع ذلك فالاحتمالات صعبة أمام نجاح غير محتمل..