تحدث في المقال السابق عن الصيغ التمويلية الإسلامية التي تستخدم في القطاع العقاري أولى هذه الصيغ التي تستخدمها الشركات أو البنوك في تمويل قطاع العقار هي عقد الاستصناع والاستصناع يعرفه العلماء بأنه هو طلب الصنع وهو عقد في مبيع موصوف في الذمة شرط فيه العمل. ويمكن تقريب هذا بصورة كأن يطلب شخص ما من صانع أو مقاول ان يبني له عقاراً مثلاً وبمواصفات محددة وبمواد محددة من عنده بثمن محدد ومعين أيضاً وبمبلغ محدد يسدده المشتري في مدة زمنية معينة ويقبل المقاول أو الصانع ذلك. وهذا العقد بهذه الطريقة مشروع في السنة والاجماع إذ ثبت ان النبي صلى الله عليه وسلم قد استصنع خاتماً ومنبراً. ثم ان المسلمين وفي مختلف العصور قاموا بذلك مستندين إلى ما يروى من قول الرسوم الكريم: "لا تجتمع أمتي على ضلالة" فالحاجة تتطلب من كل إنسان ان يعيش بآخر ليصنع له بعض احتياجاته إذ لا يستطيع كل إنسان ان يقوم بكل شيء. أما شروط هذا العقد فهي: - بيان نوع المستصنع "العقار" وصفته. - بيان الثمن ووقت سداده وما إذا كان عاجلاً أو آجلاً أو على أقساط. - يجب ان يكون مما يتعامل به الناس ويصلح الضبط فيه وصفاً كاملاً فلا يصح مثلاً الاستصناع في الأشياء التي لا تدخلها الصنعة كالخضروات والفواكه الطازجة أو الحبوب. - عقد الاستصناع لازم للطرفين "الصانع والمستصنع" وليس للآخر خيار في التقييد ما دام جاء مطابقاً للأوصاف والشروط. - يثبت المالك في العقار للمشتري والثمن للصانع بمجرد توقيع العقد. - لا يشترط قيام الصانع الصنع بنفسه إذ يمكنه شراء ما صنعه غيره للمشتري. في المصارف والبنوك الإسلامية عادة ما يتم تنفيذ أو تطبيق هذه الصيغة من خلال ثلاث جهات هي: المستصنع الذي هو في العادة أحد عملاء البنك أو شركة التمويل والذي يتقدم بطلب شراء سلعة معينة تتطلب صناعتها مواصفات معينة. والصانع الوسيط هو البنك أو شركة التمويل، والصانع النهائي وهو المقاول الذي يتولى صناعة السلعة بالمواصفات المحددة. وهنا في هذه الصيغة في العادة يتوسط البنك أو شركة التمويل بين الطرفين المصنع "طالب العقار" والمنفذ الفعلي "المقاول" حيث يوقع العميل أولاً على طلب بشراء عقار عن طريق البنك ثم يقوم البنك بدراسة طلب العميل وبعد التأكد من جديته يجري اتصالاته بالمقاولين ويتم اختيار أنسب العروض لتنفيذ العقار المطلوب وبعد الانتهاء من التنفيذ يتم تسليم العقار للعميل. وأثناء هذه العملية أو بالأحرى قبل بداية عمليات التنفيذ يتم توقيع عقدين منفصلين هما عقد الاستصناع ويكون بين البنك والعميل وعقد الاستصناع الموالي ويكون بين البنك والمقاول ويتضمن هذان العقدان بنوداً وتفاصيل مهمة وشروطاً جزائية وفيه يحدد مواصفات العقار المطلوب ومدة البناء وتاريخ الاستلام وتحديد اسم المقاول المنفذ والجهة الاستشارية المسؤولية عن الإشراف على التنفيذ والضمانات المقدمة من العميل وغيرها من تفاصيل تتضمن الحقوق لكافة الأطراف. وفي الحقيقة ان هذا النوع من العقود أو الصيغ قد نجح في تمويل عدد من المشاريع السكنية والتجارية والحكومية في المملكة العربية السعودية بالرغم من تعرضه للعديد من المخاطر وهي مخاطر في الغالب تتعلق بالمقاول والعميل. فمن ناحية المقاول تكمن الخطورة في عدم التزامه بالمواصفات وتسليم العقار في التاريخ المحدد فتوقفه عن التنفيذ بسبب الافلاس أو الوفاة. أما من ناحية العميل فتنحصر في عدم استلامه العقار من البنك بعد اتمامه أو عدم الانتظام في تسديد الأقساط حسب التواريخ المتفق عليها أو توقفه نهائياً بسبب الوفاة أو بأي أسباب أخرى. وفي رأيي ان هذه المخاطر يمكن التغلب عليها بعدد من الوسائل تتطلب الضمانات البنكية والكفالات الشخصية من المقاول والحصول على ضمانات عينية وشخصية من العملاء وترسية هذه العقود على المقاولين جيدي السمعة وغيرها من وسائل فعالة تتضمن استمرارية هذا النوع من العقود فالمصلحة من ورائها أكبر إذ انها توفر المأوى للكثيرين.. أما هذه المخاطر فيمكن درؤها بالكثير من الوسائل. النوع الثاني من الصيغ الإسلامية الأسبوع المقبل بإذن الله.