العلائق مع المدن والأمكنة حالة تشبه إلى حد كبير علائقنا مع الأشخاص. وبدايات خلق نوع من التناغم والتقارب والانصهار، وتوفير تماهيات مع الفرح، والحب، والدخول إلى عوالم تزخر بالسعادة، والالفة. مع الأشخاص إما أن تتقارب الأفكار، ويتحد الفهم، وتتناغم الرؤى، وتتفاعل كيمياء السلوك، والحب، والانعتاقات. وتنتج علاقة حميمة متألقة تسقط فيها كل المحاذير، وتذوب التوجسات، وتتكرس بعدها ألوان الصدق والعفوية، وأنماط الفرح، والتناول الشهيّ لكل أنماط الحياة. وإما أن يكون التنافر منذ البداية وتسقط بالتالي كل المحاولات بتجسير العلاقة. إذ لا تبدأ الحالة حتى تموت كما وردة تفتحت وأعطت عبيرها في الصباح ثم لا تلبث في المساء أن تذوب، تتلاشى. تحتضر. لأنها غير قادرة في المطلق على مواجهة مشاريع الموت المتربص، وحالات التكهف والسواد. لا تختلف العلائق مع المدن والأمكنة عن أنماط العلاقة مع الأشخاص. هناك مدن، وأمكنة يتلبسك إحساس بأنك تعرفها منذ زمن، وتعرفك منذ دهر. ومدن تشبهك، وتحتويك، تفتح ذراعيها لك بدفء كما أنثى ساحرة فاتنة، كما عشق أسطوري تشكَّل وتكوّن بعد جوع أبدي تبلدت خلاله العواطف والأحاسيس. وصدئت خلاله المشاعر، ومحفزات الوله. جوع دمر العقل، والفكر، والروح، وحوَّل الحياة إلى ما يشبه البلادة، والموت. هناك مدن حرفتها العشق، وإنتاجها سحر الحب، ولغتها لغة التكوينات والتضاريس الموحية بروعة قراءة الأشياء عبر العين، والإحساس، ومحفزات التآلف، والاقتراب من الجمال الأخاذ المبهر من خلال إيحاءات الغواية، وكيمياء الجسد/ الجغرافيا والتضاريس. هناك مدن وأمكنة تشبه القصيدة الملتهبة، تحضر كما موال عشق يرتفع من حنجرة مبحوحة متعبة مثقلة بالحزن، مرهقة بالحرمان لتتحد معك في متاعبك، وتشاركك همومك، وإحباطاتك، وهزائمك، وتناضل لكي تعيد لك ابتسامة مشرقة، وحالة تألق وتصالح مع الحياة. من هذه المدن الزلفي الحاضرة دائماً كحب ينتظر، والمتوهجة عشقاً طاغياً في أزمنة المطر، والخصب. الزلفي مدينة ساحرة كما قصيدة، سخية كما غيمات صحراء نجد، تعرف كيف تتعامل وتعطي للمتعبين المرهقين المسكونين بالانكسارات، وكيف تمنحهم رواء الحب، وإكسير المواجهة بصلابة وقوة، وتعيدهم إلى حقيقة أن الحياة جميلة وممتعة. نفود الزلفي وهو يحتضن المدينة كما عاشق مذبوح بالوجد، يجعل الزلفي تبدو كما أفروديت ملكة الجمال، وأسطورته، ومياه "الكسر" - لماذا لا يسمونه "السحر" بدلاً من الكسر-، تغسل قدميها،وتعطر جسدها، وتضفر جدائلها، وتزفها إلى خاطبيها الذين يتوافدون في سباق للتلاحم مع عواطفها، هذا النفود، والمياه، والمدينة .. لوحة عشق أبدعتها أمطار الوسم. الزلفي: مدينة تحترف العشق والغواية.