أن تبدأ المملكة بمبادرة من خادم الحرمين الشريفين بزيارة الفاتيكان والدعوة لحوار الأديان الذي انعقد في مدريد مؤتمرُه الأول، فليس غريباً أن ينعقد لنفس الغاية والأهداف حوار مماثل يحضره شخصيات عالمية مثل الملك عبدالله والرئيس الأمريكي بوش وقائمة عريضة من الزعماء والاختصاصيين في الأممالمتحدة.. الهدف المخطَّط له لم يكن تصفية حسابات تاريخية، أو مصافحات ومجاملات على طريقة السياسيين والدبلوماسيين، وإنما هو حضور واع لقضية إنسانية ودينية حيث ثبت أن الرسالات السماوية لم تأت إلا لإصلاح الإنسان وزرع القيم العالية في التعامل والإخاء، وطالما هذه القضايا تتصل أيضاً بأتباع الديانات الأخرى، فإن التاريخ العالمي شهد بروز الحضارات، وعانى الحروب والخلافات، وعصرنا الذي نعيشه مختلف من حيث التواصل البشري، ولهذا السبب فإن العودة إلى الحوار هي الوسيلة الوحيدة لخلق فضاء إنساني تتعايش فيه الشعوب بقيمها، ومُثلها وحضاراتها دون مصادرةٍ أو إملاء على الآخر.. المسؤولية لا تقع على أصحاب ديانة معينة، أو شخصيات ما حتى لو كانت تقود التأثير وإحداث التغييرات، لأن المهمة كبيرة، ولابد من جهد خارق لكل من تعنيه رحلة التعايش، والتخلص من موروث الماضي وثقله بانتشار التمايز والعداوات، والمملكة حين تقوم بدورها، وهي مصدر قوة العالم الإسلامي، تعرف أن الخطوط الساخنة بين الأمم والشعوب وقياداتهما يُفترض أن تجعل لها منهجاً لا يضعها قيد الماضي، لأن الحياة مشروع رباني لكل إنسان يتصف بالأهلية والحق البشري، ونحن من بلاد الحرمين الشريفين لا تقيدنا العوائق إذا ما وصلت الأهداف إلى غاياتها العظيمة، وأتيحت لكل أصحاب الديانات الحرية والخيارات المفتوحة على كل فضاء.. فالإسلام، ليس كما صوره بعض المستشرقين على خلفية أحكام مسبقة عليه من أنه دين التخلف والحروب، وأنه قام على السيف بدلاً من الكلمة، أو كما وضعه معاصرون في قائمة الإرهاب ومحاربة الأديان والقيم الأخرى، وحتى نصل إلى رابط مشترك فلابد من إدراك أن الإسلام بنى قواعده الشرعية وتعاملاته على أسس أخلاقية وإنسانية، ومن غير المنطقي إغفال انتشاره في قارات الدنيا التي لم يصلها الفتح الإسلامي، لولا أنه يحمل أخلاقيات الإنسان والرسالة السماوية.. المؤتمر هو نقلة موضوعية والملك عبدالله كان أول المتفائلين بالنجاح حين بدأ مشروع الحوار، ثم الرعاية، لتأتي الأممالمتحدة باتخاذ خطوات أكبر في جمع أكبر حضور للمناسبة ولعل مَن يدركون أننا لسنا بيئة إرهاب ولا إنجاب متطرفين، أن يعرفوا أننا في عمق الحرب مع الإرهابيين وطرف في مكافحتهم بمختلف الوسائل السلمية والجزائية.. المناسبة القادمة تشكل محوراً جديداً في التأكيد على أننا كائنات لها تطلعات في الحياة وبناء الأجيال وحماية البيئة، وأن التعهد بمعالجة الهموم البشرية يفرض أن نكون على مستوى المسؤولية، وطرفاً في الإنجاز من أجل تعايش أفضل..