منذ بدايات التحرك نحو تسوية للصراع العربي الاسرائيلي، كان الثابت الاساسي في الاستراتيجية الصهيونية الامريكية هو المصالحة مع العرب وتسوية النزاعات الحدودية عبر اتفاقيات منفردة وعزل المسألة الفلسطينية تمهيدا لتصفيتها. في مؤتمر جنيف في العام 1974طرح العرب فكرة السلام الاقليمي، وان تكون صيغة التفاوض بين وفد عربي موحد يمثل البلدان المعنية بالقرار 242يتباحث مع وفد اسرائيلي حول كافة المواضيع المتصلة بالصراع بالعودة إلى خطوط 4حزيران وعودة اللاجئين وبقية الامور الاخرى. في مؤتمر مدريد الذي عقد في العام 1991على قاعدة "الأرض مقابل السلام" وتحقيق تسوية عادلة وشاملة في هذا المؤتمر كان هنالك اصرار اسرائيلي امريكي على التفاوض للتوصل إلى حلول منفردة استمرارا للنهج الذي ارساه السادات في كامب ديفيد 1979وبات الاتجاه الاجباري للسير في المفاوضات هو بتحقيق حلول منفردة، حيث اختارت القيادة الفلسطينية الهروب إلى الامام بعد مدريد وانفردت بتوقيع اتفاق "اوسلو" وبعدها وقع الاردن اتفاقية وادي عربه واستمرت قنوات التفاوض نحو حل منفرد سوري وآخر لبناني. وعندما يقول اصحاب القرار اليوم من قادة اسرائيل انهم حلموا ذات ليلة بأن الحل لا يتحقق الا عبر سلام اقليمي، وانهم يتجهون إلى قبول المبادرة العربية للسلام فإن هذا الكلام هو كلام في ظاهره الرحمة وفي باطنه العذاب، لان معناه وجوهره ان اسرائيل تعتقد ان هنالك فرصة لاستكمال الحلول المنفردة في اطار يجمع الدول العربية المعنية وغير المعنية بمعزل عن تطورات القضية الفلسطينية، وابتداء من الانسحاب من سيناء والاراضي الفلسطينية ومن جنوب لبنان وصولا إلى الجولان كان واضحا ان اسرائيل اعتبرت الصراع مع الدول العربية صراع حدود، واعتبرت الصراع مع الفلسطينيين صراع وجود..،، السلام الاقليمي الذي تسعى له اسرائيل اليوم هو سلام يكرس خروج العرب جميعا ونهائيا من معادلة الصراع ليشكلوا غطاء ومظلة لفرض الامر الواقع في فلسطين بعد الاقتراب من اتمام بناء الجدار العازل وبعد ضمان توسيع اليات مشروع الاستيطان، وبعد الاطمئنان إلى حالة التمزق الفلسطيني، وتثبيت تفتيت الكيان الفلسطيني إلى كانتونات واقاليم معزولة.. الخ. ولا شك ان السلام الشامل هو مطلب وامل عربي وان العرب يريدون هذا السلام العادل والشامل ويعتبرون السلام قيمة كبرى وركيزة اساسية لامنهم واستقرارهم وتطورهم، لكن اسرائيل لم ترد السلام يوما ولا تريده اليوم رغم بريق الشعار الذي يرفعه قادة اسرائيل بالدعوة لسلام اقليمي، هذا السلام الذي لا يتحقق ولن يتحقق الا بمعالجة لب الصراع وهو حل القضية الفلسطينية، بالانسحاب الكامل إلى حدود 4حزيران واقامة الدولة الفلسطينية على ارض فلسطين. ما تريده اسرائيل اليوم هو حشد كل العرب والمسلمين في منظومة موحدة مدعومة من الغرب والعالم لتوفير غطاء لتصفية القضية الفلسطينية ونحر السلام الحقيقي.. وهو ما يفرض على العرب اليوم لطرح المفهوم الجدي للسلام الاقليمي العادل والشامل .. وبدايته حل القضية الفلسطينية، حتى لو كان ثمن هذا السلام العودة عن نهج الحلول المنفردة والبدء بالحل الشامل الذي يبدأ بفلسطين. ومن المؤسف أن العرب تنقصهم الجدية والمصداقية في تعاطيهم مع الحلول المنفردة ولذلك يقولون ما لايفعلون إما تحت تأثير الضغوط أو بسبب الحسابات الخاطئة . اما اسرائيل فهي تعرف ما تريد وتتطلع إلى حصاد الحلول المنفردة لتبلور ذلك في ما تسميه السلام الاقليمي . ومن المفيد تذكر بدايات الانزلاق للحلول المنفردة وتداعياتها وفرضها كنهج برغم هجاء العرب لهذه الحلول والتظاهر برفضها وادعاء مقاومتها. ففي خطابه الشهير امام الكنيست الاسرائيلي في العام 1977اكد الرئيس السادات رفضه القاطع للحلول المنفردة محذرا قادة اسرائيل من توهم ان مصر قد تسير في حل منفرد، وقال انه حتى لو تحققت حلول انفرادية مع كل بلدان المواجهة العربية فان ذلك لا يفضي إلى السلام بل يؤدي إلى الابتعاد عنه،. موضحا يومها ان هنالك طريقا واحدا للسلام يبدأ بحل القضية الفلسطينية الرئيسية والتي نتج عنها قضايا فرعية تتمثل في الخلافات الحدودية بين اسرائيل وبلدان المواجهة بسبب فلسطين حيث سيكون حل الخلافات الحدودية تحصيلا حاصلا بعد ان تحل القضية الفلسطينية، وقد كانت الافعال تناقض الاقوال، والشعارات تتنافى مع الممارسات العملية، حيث مضى الرئيس السادات انذاك في توقيع حل منفرد، ومثل ذلك وحينها تخليا عن القضية الفلسطينية، واضعاف الموقف العربي، والاهم انه فرض نهجا لمضي بقية العرب في الحلول المنفردة وهو ما تكرس في مدريد من خلال ما سمي المحادثات الثنائية.. الخ،،. يقول العرب من خلال مبادرتهم العربية ان جوهر التسوية هو في حل القضية الفلسطينية اولا واساسا، ولا سلام بدون فلسطين وحقوق شعبها، وبسبب تمسك العرب بحل يشمل القضية الفلسطينية ويبدأ بها، فان اسرائيل لم تقبل هذه المبادرة عند طرحها قبل 6سنوات، وعندما تعود اسرائيل اليوم لتقول انها تفكر بقبول المبادرة العربية فهي تركز فقط على حل الخلافات الحدودية مع الدول العربية المعنية وتوقيع اتفاقيات سلام معها، يضاف لذلك تطبيع العلاقات مع كل العرب، وهذا هو اطار السلام الاقليمي الشامل الذي يدعو له شمعون بيريز وايهود باراك وتسيبي ليفني وهو توجه مدعوم بحماس من قبل ادارة الرئيس بوش في ايامها الاخيرة. السلام الاقليمي وفق الفهم الاسرائيلي هو التوافق والتحالف مع العرب في اطار النظام الاقليمي الذي تسعى امريكا لتكريسه من خلال اقامة نظام اقليمي في العراق تحت عنوان (اتفاقية امنية) يكون نموذجا قابلا للتسوية والتعميم في المنطقة، وتتم ترجمته بالاستراتيجية الاسرائيلية تحت شعار (سلام اقليمي). ويمكن تلخيص المشهد السياسي للتسوية في اللحظة الراهنة باستنتاج ان اسرائيل من خلال (اوسلو) تعتبر حل القضية الفلسطينية مسألة اسرائيلية داخلية لا علاقة ولا صلة للعرب فيها الا بما يطرح العرب من دعوات أو تمنيات، وتتكل اسرائيل على دور امريكي بعزل العرب عن فلسطين ولذلك تريد سلاما اقليميا شاملا معهم بمعزل عن حل القضية الفلسطينية، وتعتمد اسرائيل في المضي المتسارع في هذا النهج وتعميقه مع اطمئنانها التام إلى ان العرب لا يملكون اية خيارات وانهم منذ زيارة السادات للقدس يسيرون في طريق باتجاه واحد اجباري هو الحلول المنفردة،،. ما نعتقده ان ما قيل منذ السادات في 1977إلى ما يقوله بيريز اليوم من ان الحلول المنفردة لا تؤدي للسلام هو حقيقة، حتى لو كان المذكورون يضمرون غير ما يعلنون ويطبقون عمليا عكس ما يتفوهون. ولان طريق السلام يبدأ بفلسطين، ولأن العرب خسروا قضيتهم وخسروا انفسهم من خلال اندفاعهم في طريق الحلول المنفردة ذات الاتجاه الواحد الاجباري، فان لا خلاص الا بالعودة عن هذا الطريق، وذلك بالعودة عن الحلول المنفردة، أو على الاقل تجميدها واشعار اسرائيل انهم - أي العرب - يملكون خيار تصحيح مسيرة التسوية بالتمسك باولوية حل القضية الفلسطينية ابتداء لتكون الحلول المنفردة احادية أو جماعية والسلام الاقليمي وفق الدعوة الاسرائيلية أو السلام الشامل العادل وفق الدعوة العربية ثمرة طبيعية لحل القضية الفلسطينية.