خلف جدار البحر.. في مدينة من الخبز والملح، والسكر والحسرة، والحلم والحقيقة، وعرق البحارة وتسول المطر..! يرمي الناس نفايات أوجاعهم على أرصفة الظلال..! يجهلون في السنن والذرائع وقراءة الروايات المترجمة وأسماء الشمس، وتاريخ انعقاد مؤتمرات السلام والأخبار المسيسة..! تتعاطى ساعاتهم الرشوة والنميمة وغسل الأموال..!. أكبر ذنوبهم التدخين، وأقربها ارتكاب مظاهر العيد، وآخرها تهريب البالونات الحمراء، والبلوتوث.. والبطاقات الالكترونية..!. يقيم الليل خلف جدرانها.. حين يسكن أهلها الشجر الأصفر والأعمدة المضاءة، ولوحات الإعلانات المتلفزة، وأسماء الدكاكين، والقصائد المحكية، وأخبار الأسهم، وأسماء الشوارع، والفساد الإداري..! وتسافر فيها الرياح شحيحة حد ندم الرشيد على مشيئته، وقلب الأشمغة من أجل عودة الشمس للبحر، والبترول لأسعار الثمانينات، والحديد لمحلاته القديمة..!. شوارعها من خشب النار، وحفر الصرف الصحي، والأبواق التي تشتم اليوم بذنب التأخر عن الغد..!. مطاراتها سفينة الصحراء، وأخبار المناطق، والأمثال التراثية، ووصايا التأني، ونداءات الرحلات المؤجلة، وخوف الركاب من مضار (الضغط الجوي..!). جوعها البرد المبلل بعطر الأغنياء فيها، والمطر المعد في برامج الاستمطار، والاحتياطات الأمنية، وسلامة أشجارها البرية من شجع الحطابين وخنادق الفحم، واستراحات الشبة، وحفلات المزايين..!. خلف البحر مدينة لانجاهر إلا بها، ولا نهاجر إلا إليها. المدينة مذكورة في الكتاب القديم.. مؤجلة للكلام.. وآيلة للسكوت..! المدينة مثل القصيدة تبكي وتضحك.. تلهو وتنهك تغتاب شاعرها في حديث البيوت..!