افتتح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود (سوق عكاظ) فهل سيكون له مثل ما لمهرجان التراث والثقافة (الجنادرية) من شأن، فلقد افتتح المهرجان الأبواب مشرعة لثقافة التراث السعودي على البلدان العربية وغير العربية، وذلك بما يطرقه من موضوعات عالمية لا تعني المملكة وحدها بل جميع البلدان العالمية ثم إن ذلك المهرجان قد قدم للأدب والثقافة في هذه البلاد من الخدمات الشيء الكثير مما كنا في حاجة إليه وبخاصة في هذا العصر الذي صار الحوار فيه من أهم السمات الثقافية فهل سيكون (عكاظ) الجديد مثل ذلك المهرجان، أحسبه ذلك وبخاصة أن الداعي إليه صاحب السمو الملكي الأمير (خالد الفيصل)، وما دام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز هو المفتتح لهذا السوق، وصاحب السمو الملكي الأمير (خالد الفيصل) هو الداعي إليه والمهم هو هل اتفق على المكان أم لا؟. وإسناد مهمة مثل هذا الأمر إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله أمر له أهميته لأمن الوجهة السياسية وحسب بل ولأنه أعني خادم الحرمين الشريفين من الرجال المعروفين بتدينهم حقيقة ثم هو من أحرص الناس على إحياء تراث هذه الأمة ويدل على ذلك موقفه في مهرجان التراث وثقافة (الجنادرية) وكل ما أسلفناه. وما العمل على إحياء تراث العرب إلا دليل على أصالة فكر الرجل وأصالة ذهنه، وما أظن أحداً يماثله في أسلوب تفكيره كمثل خادم الحرمين الشريفين هذا الرجل الذي بات مضرب المثل في هذا الأمر ثبته الله وأثابه، فادعا هو ما يمكننا فعله. ثم إن طلب الافتتاح من خادم الحرمين اشريفين لا شك في أنه حري في أن يعطي الموضوع أهمية أكبر لأنه حفظه الله حريص كل الحرص على أن يجعل للكلمة مهرجانها اللائق بها في هذا العصر الذي بات مرتهناً بالكلمة الأعلام. ومعلوم ما كان (لعكاظ) من مكانة إعلامية في ما قبل الإسلام فيه تنشد الضالة، وفيه تفتدى الرقاب، وفيه تكون المفاخرة والمنافرة، وفيه تكون الأحكام في الديات وفي الشعر، وهكذا. كما أن حكاية الأعشى والمحلق إنما جرت فيه على ما سيأتي. ثم جرى على جزيرة العرب ما جرى فنامت حظوظها ووهنت جدودها فنسيت معالمها وطمست أعلامها حتى جاء العصر الحدث، فجدت الهمم في بعث ما يمكن بعثه ولذا وجدنا الشيخ محمد بن بليهد ثم الشيخ حمد الجاسر رحمه الله يتنافسان في الكتابة عن سوق عكاظ، ويتنافسان أيضاً في تحديده ولذلك قصص أنا موردها لك إن شاء الله. في صدر النصف الثاني من القرن الهجري وأيام نيابة الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله لوالده الملك عبدالعزيز رحمه الله على الحجاز كان الدكتور عبدالوهاب عرام سفيراً لمصر، وكانت السفارات إذ ذاك في جدة وكان كل من الشيخين الجاسر وابن بليهد يسكنان الحجاز، وكان أقربهما إلى الملك فيصل محمد بن بليهد، قرأت ذلك في صحيح الأخبار عن ما في بلاد العرب من الآثار هو لابن بليهد وكان السفير إذ ذاك عبدالوهاب عرام من الرجال المتأدبين فراقه أن يعرف شيئاً عن سوق عكاظ هذا الذي كان له من الشأن ما كان وبخاصة قبل الإسلام، صحيح أنه قد كتب في ذلك ما كتب ولكن أين ذلك السوق لقد تضاربت الآراء فيه وتعارضت فمع من الصواب أبدى السفير عبدالوهاب عرام هذه الرغبة للملك فيصل الذي طلب من ابن بليهد وأمره بان يكون مع عرام يهيء له الأمر، فضربت الخيام وجرى الاستعداد لاستقبال الرجل في ذلك المكان، وهكذا قرأت هذا أثناء بحثي في ما يكون عدته لي في أطروحة الدكتوراه فكان أن ذكر لي كتاب عن سوق (عكاظ) فبحثت عنه فإذا هو كتاب الدكتور عرام فيه ثلاث محاضرات كلها عن السوق فلما ظفرت به إذا هو محاضرات ثلاث إحداها لابن بليهد وثانية للجاسر وثالثة مستخلصة من المحاضرتين كتبها عرام نفسه، ولم أجد فيه جديداً خلال ما عرفته في صحيح الأخبار. هذا الكتيب قد أعاد نشره نادي الرياض الأدبي وأرسلوا لي مشكورين خمسين نسخة وذلك بعد استئذانهم الابن عبدالعزيز القائم على نشر ما يعني ابن بليهد. وقد جدت المنافسة بين الشيخين الجاسر والبليهد حتى إن الشيخ حمد ما كان يرى أن لابن بليهد حظاً من العلم وإن كان يراه رجل مجتمع وحسب، ذلك ما سمعته منه رحمه الله. وكان الشيخ حمد الجنيدل رحمه الله إذ ذاك شاباً حسن الخط فأملى عليه ابن بليهد كتابه (صحيح الأخبار عن ما في بلاد العرب من الآثار) الأمر الذي أملى على، الشيخ الجنيدل الزعم بأن هذا الكتاب من عمله هو فقام جدل بيني وبينه كان ميدانه الصحافة أحسبني فيه قد أفحمته ونعود إلى ما نحن فيه من أمر (سوق عكاظ) وعمل صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل فيه فنقول: إن عمل الأمير خالد من الأعمال التي لم يسبق على شيء منها فشأنه في ذلك كشأن أعماله في مكةالمكرمة وهي أعمال يطول الحديث عنها إلا أنها أعظم دليل على تميز هذا الرجل أينما حل وكيف ما حكم فجميع الحجاج بل جميع المسلمين سوف يقتنون هذا الذي (صنع في مكة) وهذا ليس هو المهم وإنما أثره الذي سوف يظل رافعاً اسم هذه البلاد بعامة. والحق أن منطقة مكةالمكرمة كانت في حاجة إلى مثل هذه الجهود التي لا يقوم بمثلها إلا مثل الأمير خالد لا لنقص في أعمال سابقيه ولكن لأسباب ليس هذا مقام الحديث عنها على أن قيام خادم الحرمين الشريفين بتجديد افتتاح هذا السوق أمر سيظل شاهداً على إخلاص هذا الرجل وجده في خدمة تراث هذه الأمة.