إذا كانت المملكة وتاريخها الإنساني المجيد متميزة جغرافياً بأرض مقدسة ذات حدود شاسعة وموقع فريد فإنها تفخر ببيئة عربية إسلامية إنسانية وبمواطن أشبه بما يكون بتضاريس صامدة في نحر أعدائها المتربصين لها خارج الحدود أو المندسين في عمقها الجغرافي، بل إنه مرتبطٌ بها كارتباط جبالها الراسية بأرضها الطاهرة وسهولها المنبسطة وأوديتها السخية ورمالها الأبية. وتكمن هذه القيم الراقية وهذا الترابط الأزلي من خلال توافق المجتمع السعودي فيما بينه بالعبادات والمعاملات والعادات الشرعية وهذه هي الأسس التي قام ويقوم عليها المجتمع الإنساني الإسلامي وبسببها تكونت أول دولة للإسلام على أرض طيبة الطيبة عندما اتصف بتلك الأسس المهاجرون والأنصار رضوان الله عليهم أجمعين. بينما حُرم منها المجتمع المكيّ. وكذا مجتمع الطائف آنذاك لأنهم خذلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مما جعل ذلك سبباً في تفويت فرصة إقامة دولة إسلامية على أرضهم، قال تعالى: (والذين تبوءوا الدار والإيمان) وهنا تأتي البيئة من التبوؤ مع كيفية الاستقرار على الأرض وهي الدار التي استخلف الإنسان عليها ليمارس شعائر الإيمان من عبادات ومعاملات وعادات وهذا مكمن السر لصخرة الوطن المتماسكة والتي تحطمت عليها الأهداف المريبة لأعداء المجتمع السعودي. فكل آتٍ لنا بما يخالف ويختلف مع هذه الأسس الثلاث سيجد نفسه وفكره قد أحرق في مزبلة التاريخ غير مأسوف عليه. وأكبر دليل على ذلك بوار سلعة الفكر الإرهابي المنحرف في سوق الوطن الأشم وعدم رواجه بين أفراد المجتمع حتى وإن كان بعنصر وطني وخام خارجي ليتمكن المجتمع بعد ذلك وبحول الله وقوته ثم بمآزرة بعضه البعض من إغلاق نافذة إرهاب الفكر والدين والتصدي لرياحه النتنة التي جعلت الأساس الأهم للمجتمع وهو العبادات ممراً إلى فكر نقي ونفس سعودية زكية لا تقبل هذا الشذوذ. ليتفق الجميع فيما بعد أن أفضل الطرق الوقائية والعلاجية لهذا الداء هو الفكر المضاد بمفاهيمه الصحيحة. لذا وضعت الدولة أعزها الله الخطط وصممت لها آليات العمل ثم نفذتها بكل اقتدار لتنقية المجتمع من ما تبقى من شوائب لهذا الفكر السام لتكن هذه المعالجة فيما بعد قدوة عالمية يقتدى بها. ولكن ... يبدو أننا على موعد جديد مع إرهاب من نوع آخر اتضحت ملامحه وكشر بأنيابه، بل فعل فعلته عندما طرق باب الأساس الثاني للمجتمع وهو (المعاملات) ليبث بأجوائه رياحه المادية الملوثة والتي تعانق دخان السجائر الكوبية المنبثقة من نوافذ الغرف المخملية والمخادع الدافئة لبعض أصحاب رؤوس الأموال الطائلة الذين لا يكدر عليهم أحلامهم البنفسجية سوى جهاز البورصة العالمي المجاور لأسرَّتهم وهم هذه المرة ليسوا من كهوف تور بورا بل من قصر أو يخت أو منتجع سياحي. ليكن فجأة دون سابق إنذار مستقبل ومصير المواطن الساعي إلى رزقه صاحب رأس المال المتدني بين سبابة هذا التاجر وبين إبهامه بل قد يدفعه بسخرية وبأوسط أصابعه إلى فوهة الفقر والإفلاس وكأنه حبة لعبة الكيرم المشهورة لتختل من خلال هذه الحركة البسيطة شكلاً والمدمرة مضموناً أهم نواة في المجتمع وهي الأسرة التي في استقرارها مادياً يستقر المجتمع وفي اختلالها غبنٌ وظلمٌ يختل المجتمع. وهل سنجد هنا في مزودة المواطن المتضرر "مالاً مضاداً" لنعالج به هذا الداء الجديد أم أن هذه المزودة ستتحول عبأًعلى الوطن وإناء يتسول به صاحبه لنضرب كف الأسى بكف الندم ومن ثم نضعهما على الخدود الحزينة لنقف مشدوهين لا حيلة لنا ولا قوة فيما يحصل أمام أعيننا للمواطن. وقد يقوم بما يقوم به هؤلاء الجشعون دون أن يعلموا أن هناك دولاً أممت الأموال بل جعلت جماجمهم لعبة للأطفال في أزقتها وشوارعها، بينما هنا سماحة الإسلام وديمقراطيته الحقة واقتصاده الحر جعلهم يتجاهلون ثقة الوطن ويجازون الإحسان بالسيئة بل يستغلون ضعف وعي المواطن المستثمر مالياً وقلة ثقافته الاقتصادية ويتلمسون ثغرات نظام سوق المال مع استخدامهم السلبي لما سخر لهم من أجهزة تكنولوجيا حديثة وكذا ضعف المراقبة التي قد تكون بسبب تبادل المنافع أضف إلى ذلك الأبواب المشرعة لهم التي تمكنهم من الانسحاب من السوق بسرعة تساوي عودتهم في الحالة الآمنة مع اطمئنانهم لعدم وجود الشفافية التي تكشف زيف الأقنعة ليتضح السبب والمتسبب قال عليه السلام: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرَّج عن مسلم كربة فرَّج الله بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة" أو كما قال عليه السلام. متى يفيق هؤلاء الماديون الجشعون أو يُفيقوا ليصبحوا أعضاء صالحين داخل مجتمعهم لأن مغادرتهم الدنيا برمتها أمر فيه تأكيد كحرصهم على تأكيد حجوزاتهم لعقد صفقاتهم التجارية ولن ينفعهم أسطولهم الخاص وسيتبع ذلك كله حساب شديد عند الله وسيبقى لهم فقط أسوأ الصور وأشنعها في ذاكرة المجتمع والتاريخ. ومتى يكرم من يستحق التكريم من رجال الأعمال المساهمين في مقدرات الأمة والمحافظين على مكتسباتها من خلال غرس أسمائهم في فكر المجتمع وهويته أم أننا سنخسرهم كما خسرنا جيل المتقاعدين عندما تركنا خبراتهم تذهب في مهب الريح ولم نمنحهم ما يستحقون من تقدير وتكريم حتى وصل بنا التفنن في الجحود أن نوقف حارساً خاصاً يمنع مسؤولاً سابقاً نزيهاً من استخدام المواقف المخصصة للسيارات. ومتى يأخذ القرار لدينا مراحله العلمية خصوصاً الموجّه للقطاع الخاص أو الصادر منه بدلاً من نظرية (بالبركة). ومتى يتم التكامل الاقتصادي لدول الخليج العربي والأمل في هذا معقود الآن في قمة سلطنة عمان المقبلة لكي تلبس دولنا الخليجية الإسوارة التي تحمي معصمها الاقتصادي. ومتى يُجرم كل من خالف أُسس مجتمعنا سالفة الذكر لنقول بصوت واحد هذا هو الذي يدعم الإرهاب بدلاً من توجيه هذه التهمة المشينة لعالم نذر عمره في خدمة الدين والوطن، أو توجيه وإلصاق التهم الباطلة بل المحاربة وإعاقة القرار لمسؤول احدودب ظهره على مقاعد الإخلاص والتفاني للوطن فقط لأنه يرغب إحلال مواطن سعودي محل مواطن آسيوي يتجه بعد دوامه الرسمي إلى منزله الذي فتح بابه للقمار والدعارة بقصد إفساد المجتمع ظناً منه أنه سيخدعه بلحيته الكثيفة أو وجود علامة الصالحين على جبينه التي تسببت بها حبة ثوم أو بسبب وقوعه بعد المضاجعة المحرمة على حافة سرير صدي حاد أدمته وبقيت وكأنها من آثار كثرة السجود. ومتى تخرج الزكاة على وجهها الشرعي من مال جاء من الوطن وأهله بدلاً من إسكاتنا بالمساهمات الرمزية. ومتى الاستمرار في هذه التناقضات العجيبة التي يتسبب بها فكر مادي وقلب أجنبي فقط "الكرش" وطنية. ومتى الاستمرار في التستر الفاضح على وافد لا خير فيه نسقي جذع شجرته من اقتصادنا ليجني ثمارها في بلده وعند مواطنيه والذين سميتهم إن صحت التسمية بمصطلح "الأجوطنيين" وما يؤكد وجود هذه التناقضات وهذا التوجيه الخاطئ للمال هو لاعب كرة يكتب الباء تاءً قيمته عشرة ملايين ريال، أو بعير ميزته ضخامة براطمه بخمسة عشر مليون ريال، أو رقم جوال أو رقم لوحة... إلخ بآلاف الريالات، بينما على الطرف الآخر طالبة طب أو طالب هندسة أو تلميذ وتلميذة ينتظرهم المجتمع يتوقف تحصيلهم العلمي بسبب ضيق ما باليد عند والدهم الذي مات عطاؤه لأن أزمته النفسية بسبب خسارة الأسهم أدت إلى مرض عضوي ومن ثم إلى إعاقة أبدية وهذا كله بسبب قراراً ذاتياً اتخذه تاجر جشع. وماذا نقول لمثقف أعياه الفقر لم يتمكن من استكمال نتاجه الثقافي أو العلمي بسبب رصيده ذي الأصفر المخيفة. لذا لن نستغرب أن تتوقف المخابز عن إنتاجها لسد رمق جوع البهائم من منتج الدقيق الآدمي أو أن تسقى نخلة باسقة بصهريج قيمة حمولته 700ريال ومع هذا تموت ظمأ وهي واقفة. فلنعد إلى الله ونكثر الاستغفار ونفعل ما نقول ونقول ما نفعل بإخلاص وإلا ستدمى قلوبنا من غضب الله جلت قدرته عندما يستمر توقف الأمطار ولا ينفع الاستمطار وترتفع الأسعار ولا ينفع دعمها وتنتشر الفتن والرذيلة المهلكة ونرى بئراً معطلة جوار قصر مشيد. قال تعالى: (ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلاً ما تشكرون).