@@ تخيلت مدينة جدة بعد (5) سنوات من الآن.. @@ وبصورة أكثر تحديداً.. @@ بعد انتهاء مشروعات الصرف الصحي الحالية.. وإنجاز كباري الأحياء المكتظة وأنفاقها الجديدة.. @@ وكذلك بعد تطوير مشروع الكورنيش الممتد إلى منطقة أبحر.. @@ وبعد إقامة المدينة السياحية والبرج العالمي الذي أعلن عنه مؤخراً بمنطقة أبحر الشمالية.. @@ وبعد المشاريع الحيوية الرائعة التي أعلن عنها عوضا عن المناطق العشوائية المنتشرة بجنوب وشرق المدينة.. @@ وبعد معالجة أوضاع الميناء البحري المختنق بتكدس البضائع والمقفول أمام استقبال المزيد من الناقلات البحرية المحملة بالسلع من كل دول العالم وأراضيه.. @@ وبعد إصلاح حال المطار (المهترئ) برمرمته وليس بتغييره بالكامل بعد أن تجاوز عمره الافتراضي كثيراً.. @@ وبعد تنفيذ شبكة السكة الحديد التي ستصل مكةالمكرمةبالمدينةالمنورة.. وتمر بجدة.. وتوفر فرصاً أفضل للانتقال بين المدينتين المقدستين وما يحيط بهما.. وتخلصنا من أزمة استحالة الحصول على حجوزات من وإلى المدينةالمنورة.. والاضطرار إلى استخدام الطريق البري الطويل والمرهق والمضني.. @@ وبعد استكمال مشروع مجمع الادارات الحكومية الرئيسة في مكةالمكرمة.. وتخفيف الضغط الهائل عن مدينة جدة واستعادة الحيوية المعقولة إليها.. @@ وبعد حد مشكلة المياه الخانقة.. واختفاء طوابير السيدات.. والأطفال.. والشيوخ أمام إدارة شؤون المياه للحصول على برميل الماء.. بعد شق الأنفس.. @@ وبعد معالجة أوضاع الكهرباء.. وتقطعها المستمر.. في عز الصيف.. @@ وبعد إقامة الاستاد الرياضي الجديد.. بما يناسب طبيعة النمو.. وتقدم مستوى الحياة في المملكة.. ومشاركاتها في المسابقات الدولية العديدة.. @@ وبعد اقامة جمعية أو أكثر لرعاية الحيوان.. @@ كل هذا جميل.. ورائع.. ومنعش.. @@ ولكن ماذا عن الإنسان؟! @@ ماذا عن اختناق جامعة الملك عبدالعزيز بعد أن تجاوز عدد طلابها وطالباتها الخمسين ألف طالب وطالبة؟ @@ وماذا عن حل مشكلة البطالة بين الخريجين.. وجيوش المترددين على إدارة وزارة الخدمة المدنية... ومكتب العمل.. والشركات والمؤسسات.. بلا فائدة أو جدوى؟ @@ وماذا عن ثقافة العقول.. وتطوير أوجه الابداع والخلق لدى الإنسان، ليس في هذه المدينة فحسب وإنما في سائر أنحاء المملكة؟! @@ ما الذي ستقدمه الأندية الأدبية والثقافية للإنسان خلال هذه المدة؟! @@ وما الذي ستفعله الغرف التجارية والشركات والمؤسسات والبنوك لابن هذه المدينة وابنتها.. بعد أن سدت الطرق أمامهما؟ @@ وما الذي سنفعله للمحافظة على تراث المنطقة.. وثقافتها.. وفكرها.. وأصالتها.. بحيث يتوازى النمو العمراني.. مع التقدم النوعي في فكر.. وسلوك الإنسان. وتصبح هناك حضارة حقيقية لمدينة موعودة بالكثير من مظاهر التقدم المادي فقط؟! @@ وما الذي ستقدمه لإحياء روح العلم.. وصناعة المعرفة بعد أن لم نعد نسمع عن عالم (جداوي) واحد.. أو فقيه متبحر.. أو صاحب رؤية علمية أو ثقافية متميزة بعد أن غابت شموس العلماء.. والمفكرين.. والرواد الأفذاذ.. ولم نر سواهم في الأجيال المتأخرة؟! @@ إن سعادتنا بتلك المشروعات المادية عظيمة... وكبيرة.. @@ لكن سعادتنا ستكون أكبر وأعظم.. حين نجد أن هناك نقلة نوعية في تطور عقول الناس.. والاهتمام بتنمية قدراتهم.. وجعلها أقرب إلى الإبداع منها إلى نمط الحياة التقليدية الرتيب؟ @@ صحيح أن هناك مجلساً ثقافياً قد تشكَّل أخيراً.. @@ وصحيح أن هناك نشاطات مبعثرة تحاول أن تحسن من وضع الإنسان.. @@ لكن الأكثر صحة هو أن الأمر أكبر من كل هذا.. @@ الأمر يتطلب مشروعاً ضخماً.. @@ يتطلب استراتيجية علمية.. تتوفر لها رؤية مستوعبة لاحتياجات النمو المتوازن بين ما هو مادي وما هو معنوي.. @@ ذلك أن أي متطور مادي مهما بلغ شأنه.. وعظم تأثيره.. إلا أنه لا قيمة له إن هو لم يعتمد على تنمية بشرية حقيقية.. تؤدي الى الحصول على إنسان متفاعل.. وخلاق.. وقادر على صنع المستقبل لأجيال قادمة ايضا.. @@ هذا الأمل.. وذلك الحلم.. يتطلبان جهودا ضخمة يشترك فيها العلماء والأكاديميون والاقتصاديون وخبراء الإعلام والتربية والمثقفون.. وتتوفر لهم الامكانات الضخمة لإنتاج مشروع متكامل هدفه صناعة إنسان جديد.. @@@ ضمير مستتر: @@ ( لا قيمة لأي تقدم مادي.. ما لم يسنده وعي عام.. وثقافة تتجاوز كل الإحباطات).