المدرسة (الواقعية) أو مدرسة الشعب كما يحب أن يسميها البعض، التي ترصد واقع المجتمع بكل حالاته وظروفه، ارتبطت بمرحلة البدايات والبناء والتكوين والتعليم، فكان لها الغلبة التي تعتبر جواز مرور أي مبدع يود دخول مجال الفنون البصرية، فبدونها لا يشتد عود المبدع ولا يستطيع النهوض ولا تحمل تراكمات الفن والإبداع، وبها يستطيع التعبير عن ذاته ومشاعره وإحساسه وسط مباركة من مجتمعه الذي يشجع مثل هذه المدارس ويدعمها كثيرا. المدرسة (الواقعية) برغم هذه الأفضال والهبات التي قدمتها للمبدعين؛ تجد للأسف العقوق والجحود من أبنائها مبدعي الفنون البصرية، فما أن يشتد عودهم ويسطع نورهم في عالم الإبداع، حتى تجدهم يهربون إلى مدارس فنية أخرى (كالتجريدية، التعبيرية، التكعيبية، المفاهيمية.. وغيرها) يمارسون إبداعاتهم وفنهم من خلالها، متناسين بقصد أو من غير قصد فضلها، وصلتها المتينة بالمجتمع وحب المجتمع لها، وأنا لست ضد الخروج من المدرسة الواقعية، كما أنني لست مع الهجران والقطيعة للمدرسة (الواقعية)، لكنني مع عمل المبدع نحو التجريب وتطوير مهاراته وفق رؤاه وخططه الفنية بواقعية. فالواقعية.. ليست المدرسة التي تسجل وتنقل لنا المشهد اليومي والحالي لمجتمعاتنا وحالها وأحوالها فحسب، بل هي لسان الشعب الذي يتوق لرؤية أحلامه وآماله لوحة مرسومة بنبضهم وإحساسهم ومعاناتهم، بعيدة عن ما لا يفهمونه من مدارس ورايات وأساليب وأفكار وشعارات. فما الذي يضير مثلا لو قرر أحد التشكيليين المعروفين بأسلوبه التجريدي المشاركة بلوحة واقعية في معرض ما، أو هل من حرج أن يقام معرض تشكيلي لكبار المبدعين بحيث يشترط عليهم تقديم عمل واقعي، عندها سنرى انتشارا كبيرا لموروثنا، وطبيعتنا، ومشاهدنا اليومية الجميلة والحالمة. فهل يفعل ذلك المبدعون التشكيليون، النحاتون، الفوتوغرافيون، ونترك أساليبنا ومدارسنا التي انتهجوها وأمضوا فيها عمرا مديدا، دعونا نعود لفن البدايات من جديد عندما كنا صغارا، لنرسم وقع (واقعنا) اليوم ونحن كبار؟