بين الماء والماء تأرجح الحلم الأسمهاني المسيج بالغناء، واكتمل بذاته في سيرة امرأة احترفت الحياة استعدادا للموت، واحتشدت ذاكرتها بالأنغام المتناسلة من سيرورتها لتصير النغم الأخير.. أسمهان...ثانية !. مغنية ولدت في الماء لا لتكون حورية من حوريات البحر اللواتي يمارسن الوداعة مع البشر وكأنهن يقدمن لهم صورا أحلى للحياة، بل لتكون امرأة من نار ونور، وبينهما تتخلق علاقتها مع ذاتها المستفزة يوما بعد يوم، وعلاقة بعد علاقة، وكلمة بعد كلمة، والاهم نغمة بعد نغمة. فلم تخضع لسوى الموسيقى المنسحبة من روحها البرية، ولم تنحاز لسوى الأغنية المنفلتة من سياج المألوف لتكون الصوت الذي أذهل ذاته فتجاوزه إلى ان يكون عنوانا لامرأة استثنائية. أسمهان ثانية وثالثة...وألف!. فلن تنتهي سيرة المرأة التي ماتت في الماء، وكأنها تكمل الدائرة المبللة بالأسى في مدى سنوات قليلة صنعت فيها تلك المغنية الذاهبة بنا نحو أقاصي الاحتمالات، ما جعلها سيرة مستمرة لا ينبغي لها أن تنتهي غرقا في الماء أو حرقا في نيران الأسى أو نسيانا بين أضابير الغياب البطيء. إنها أسمهان، الفتنة التي كانت أشد من الغناء، فلم يحتملها الغناء إلا كذكرى حية ليس في ذاكرة من أحب الصوت وعشق الأداء وحسب، بل أيضا في ذاكرة من يريد معرفة أسرار النساء الاستثنائيات في الأزمنة والأمكنة الذكورية. ولم تخيب أسمهان ظن الذاكرة الجمعية، عندما صارت، بعد موتها المائي، إيقونة للجمال المتعدد والمكتمل بذاته. ولا غرو في ذلك...إنها أسمهان وحسب!.