لم أقابل شخصا قادما من مكة أو ذاهبا اليها، الا وهو يشكو مر الشكوى من تضاعف سعر السكن الواقع في محيط الحرم، سواء أكان فندقا او شقة.. فمنذ سنوات قليلة بدأت ظاهرة ارتفاع أجرة المساكن في صورة لافتة للنظر، اذ تعدت المؤشرات الطبيعية المعقولة بمراحل قياسا بأجور السكن في جميع انحاء العالم. عهدنا بالمؤشر ان يرتفع 5%، أو 10%، أو 15%، تجاوبا مع ارتفاع الأسعار، وهي مشكلة عالمية لا تنفرد بها دولة دون أخرى، او تصل النسبة إلى 20% في المواسم كرمضان والحج، لكن أن تصل النسبة إلى عشرة أضعاف وتتجاوزها اضعافا اخرى فأمر يبدو أقرب الى الخيال منه إلى الحقيقة، فأجرة ليلة في فندق يطل على الحرم بلغت اكثر من عشرة آلاف ريال، ولا اتصور ان مبلغا كهذا دفع لليلة واحدة للسكن فقط في أرقى فندق في العالم، مع اعتقادنا - نحن المسلمين - ان مكة اشرف البقاع وأطهر الأماكن. وأما الفنادق المتواضعة جدا فتجاوزت ألف ريال، ورأيت ان الذي يدفع هذه الأجور الباهظة هو المواطن الذي يأتي بأسرته او بمفرده، اما المعتمرون والحجاج والزائرون القادمون من خارج المملكة فيأتون في مجموعات في هيئة وفود سياحية، فيستفيدون من التخفيضات في المركب، والمسكن، والمأكل، والمشرب التي تقدمها مكاتب السياحة والحج والعمرة. أجور العاملين في الفنادق والشقق الواقعة في دائرة الحرم لا تختلف عن مثيلاتها في المملكة، واذا قسنا مستوى الخدمة والصيانة رأيناها متدنية، فلا تطمئن الى نظافة فراش تغفو عليه، ولا الى طعام من مطاعمها تشاهد الذباب يحوم حوله، ويقع فيه، واللحوم المعروضة لا تعرف مصدرها ومدى سلامتها، وتفقد ادنى شهية للطعام حينما ترى من يعدون الأكل ويقدمونه، فهم لا يختلفون في مظهرهم عن عمال نظافة الشوارع، ويخامرك شك في كونهم يحملون شهادات صحية تثبت خلوهم من الأمراض المعدية وغير المعدية، واذا دلفت الى غرفتك او شقتك في الفندق فأول ما يستقبلك جيش من الصراصير من كبير وصغير، فتشمئز نفسك، وتود لو كنت في خيمة في صحراء نقية، ولكن بجانب الحرم، لم يبق لرفع الاسعار الى مستوى خيالي سوى مسوغ واحد، وهو استغلال العاطفة الدينية لدى الحجاج والمعتمرين والزائرين، وتفريغ جيوبهم، وربما أرصدتهم قبل أن يتجهوا الى ربهم بحج أو عمرة فمن رفع الأجور الى هذا المستوى المجحف يعلم أن من يأتي الى الحرم يحدوه هدف في اعظم وأجل من جميع اهداف السياحة، ويدفعه سبب تتصاغر امامه جميع الاسباب التي تنشد الاستمتاع بالمناظر والمشاهد الطبيعية، والترويح عن النفس بالتنقل في أجواء وبيئات مريحة وأقل كلفة هدف يلامس الجانب العقدي والروحاني، يلبي نداء الله، ويستجيب لدعوة رسوله، عُرِفتء هذه العاطفة الدينية القوية، فاستغل اصحابها هذا الاستغلال في الغلاء الفاحش والأجرة الباهظة، وتنوسي ما ادخره الله من أجر وثواب لكل من يسر أمر حاج او معتمر، بمال او فعل، او حتى قول، وذلك أضعف الايمان. ينبغي لوزارة التجارة وهيئة السياحة ان يكون لهما حضور وأثر فعال في الحد من غائلة الاسعار، رأفة بعباد الله وزوار بيته الحرام.