استبشر كثيرون بانخفاض أسعار النفط الأخير (مطلع شهر رمضان) إلى نحو 90دولارا للبرميل الواحد - انخفاض بنحو 40% أو أكثر في غضون شهور قليلة. وتمنوا نزولا شاهقا، ربما إلى 50دولارا أو حتى أقل للبرميل. عند هؤلاء أن ارتفاع أسعار النفط لم يجلب إلا الغلاء. تحميل ارتفاع أسعار النفط جريرة الغلاء تبسيط مخل للمشكلة، فأسعار النفط عامل من عوامل كثيرة وراء الغلاء، ولن تنخفض أسعار السلع والخدمات إذا انخفضت أسعار النفط. أما إذا تركنا موضوع الغلاء، فإنه ليس من العدل تجاهل مشروعات البنية التحتية من طرق وموانئ وكهرباء وتحلية مياه وتجاهل التوسع في المرافق والجامعات والمدارس والمستشفيات لمقابلة زيادة السكان في مختلف أرجاء البلاد، وفي المناطق النائية، وتحسين الأوضاع الوظيفية للكثيرين والوعد بتحسينها لآخرين من العاملين في الحكومة، وهذا يعني ارتفاع دخلهم النسبي، وما كان لهذا أن يصير لولا فضل الله ثم ارتفاع أسعار النفط. إن الآفاق المستقبلية للمالية العامة لفترة ما بعد المستقبل القريب يحيطها قدر كبير من عدم اليقين لاعتبارات كثيرة. وسيكون لانخفاض أسعار النفط إلى مستويات متدنية نسبيا، مثلا إلى نصف الأسعار الحالية، تأثير سلبي بالغ على الناس، وستقع أكثر التأثيرات السلبية على عموم الناس أكثر من خواصهم، وستتقلص مشروعات البنية التحتية، وتوسيع المرافق العامة وتطويرها لمواكبة زيادة السكان، وستضعف إمكانية تبني استراتيجية لتملك غالبية المواطنين مساكن - أدعوا الله أن تتم. لو قلنا ببقاء أسعار النفط في نطاق 110دولارات للبرميل على المدى البعيد، فإن المتوقع تلاشي فائض الميزانية بعد خمس سنوات من الآن، استنادا إلى توقع نمو الإنفاق الحكومي بنسبة 15% للعام الجاري 2008(ليعكس قرارات الحكومة المتخذة خلال العام، والتي يتوقع أن تزيد معدل الإنفاق بما لا يقل عن هذه النسبة)، ونفترض بعدها أن نسبة نمو الإنفاق تنخفض إلى 10% عام 2009، ثم تستقر على 5% خلال السنوات التالية. أما لو قلنا بانخفاض أسعار النفط إلى نحو 60- 70دولارا للبرميل العام القادم 2009، وبقائها على هذا المستوى لمدة طويلة، فهذا يعني تلاشي فائض الميزانية فورا، وبعدها تأتي متاعب عجز الميزانية، كما حدث من قبل. @ يجب الانتباه إلى أن الإيرادات النفطية التي تدخل الميزانية العامة تقل عن أصل الإيرادات النفطية بنسبة تتراوح في الغالب بين 15- 20%. @@ الإيرادات والنفقات الفعلية الأولية حسب بيان وزارة المالية عند إقرار ميزانية 2008كانت 622بليون ريال و 443بليون ريال على التوالي. إلا أن الأرقام الفعلية النهائية عادة أعلى من الأولية، غالبا بنسبة لا تزيد على 5%، وقد افترض الكاتب زيادة بهذه النسبة. علينا ألا نتسرع بالفرح من انخفاض أسعار النفط انخفاضا شديدا، طالما لم نبن بعد اقتصادا راسخا متنوعة مصادر دخله، والأولى أن ندعو ونطلب زيادة الرشاد في إنفاق المال العام. وبالله التوفيق.. @ دكتوراه في الاقتصاد