كان يُنتظر خلال شهر رمضان مشاهدة أعمال درامية متميزة، يتصدر نجومها الإعلام. خابت الدراما، ليأتي العوض من أصحاب الفتاوى الغريبة، الذين تجاوزوا الجميع بإحراجهم البلاد عالمياً. ومن بين الفتاوى ما هو مرعب وما هو فكاهي، وليس أكثر فكاهة من دعوة الشيخ محمد المنجد إلى قتل نجوم الرسوم الكرتونية المتحركة، وقد انشغل بالفئران منهم. ورغم توضيحه اللاحق، إلا أنه لا يستطيع نفي ما نطقه لسانه وتابعه الجمهور. والداعية السوري الشيخ محمد المنجد يصنف أحد نجوم "الصحوة" في السنوات الأخيرة، بعد أن ألحق اعتدال المشايخ سلمان العودة وعائض القرني وسفر الحوالي الضرر بجماهيرتهم. وهذه حالة طبيعية في مجتمعنا؛ المعتدل غير محبوب!وحسب متابعتي، فهو الأذكى بين نجوم "الصحوة"، ويحسب الكلمة جيداً. ورغم حذاقته ونباهته، فقد فات عليه الضرر، الذي تسببت فيه فتواه الساخرة، بالإسلام وبالسعودية، إذ نالا منه الكثير من السخرية والاستهزاء في أكثر من 200وسيلة إعلامية.ويختلف الداعية السوري عن معظم الدعاة المحليين أنه متميز إدارياً، نجح في "الصحوة"، وفي التجارة، وفي المواقع الإلكترونية، رغم البداية المتواضعة. فطالب جامعة البترول والمعادن مطلع الثمانينيات هو اليوم الرقم الصعب "صحوياً"، وإلكترونياً، ويعامل مستثمراً أجنبياً، إذ يخوله النظام الاقامة الشرعية بلا كفيل، دعماً لاقتصاد البلاد. وإمكاناته الشخصية جعلت منه صاحب نفوذ إسلامي واجتماعي في المنطقة الشرقية، فهو يملك قدرة هائلة على الحشد وتغيير المعادلات بأسهل طريقة وأقل تكلفة، وليس أدل على ذلك أنه برسالة جوال واحدة، لم تكلفه نصف ريال، تمكن من تغيير مسار الانتخابات البلدية في المنطقة الشرقية قبل أكثر من 3سنوات، فانتصرت قائمة المرشحين السلفيين (السروريين) على قائمة الخصوم (الإخوان المسلمين). وحسب ذاكرتي أن قراراً صدر قبل نحو العقدين يمنع غير السعوديين من أداء خطبة الجمعة في المساجد، وتمكن ثلاثة مقيمين عرب من الحصول على استثناء إداري، وكان المنجد أحدهم. كما هو اليوم يملك فريقاً متكاملاً من العاملين يمكنونه من هذا الحضور الطاغي إلكترونياً وتلفزيونياً. وقبل شهر رمضان بقليل، غاب الداعية المنجد عن مدينة الخبر، منتقلاً إلى مدينة جدة، الأمر الذي أثار حفيظة جماهيره العريضة، فهو رأس "السرورية" الأول في المنطقة الشرقية. وانتقاله إلى جدة قد يكون محاولة لسد الفراغ، الذي أحدثه غياب الدكتور سفر الحوالي أخيراً، لدواعي المرض، شفاه الله وعافاه. فمن يقرأ الحراك الإسلامي في المنطقة الشرقية يعرف أن القيادة ستظل طويلاً للمنجد، ولذا قرر الهجرة من بحر إلى بحر بلا قلق، متفرغاً لمعركة طويلة من شقين: فكرية مع خصوم "السرورية" في جدة، من "إخوان مسلمين" و"ليبراليين"، واقتصادية يستكمل فيها مشاريعه التجارية، وكلي ثقة بقدرته على النجاح في المعركتين. والأهم عقب ما أحدثه الداعية والمستثمر من ضجيج واحراج رمضاني، أن يعي أكثر الأثر الذي تحدثه كل فتوى غريبة، كما يضع في الاعتبار أن الإعلام العالمي لن يغيب عنه حديث صغير في إذاعة محلية أو حلقة ذكر في مسجد، فيوماً ما ستنتشر بفضل الوسائط الإعلامية، التي لا تبقي شيئاً في حدوده الجغرافية.