في مسيرة إعمار الدول والأفراد أيام ذات طابع مغاير لا تمر عليها ككل الأيام، تبعث في نفس الفرد أو المنظومة الاجتماعية كلها إحساساً تستثيره باستعادتها ذكرى حدث معين. وها نحن في المملكة تظلنا ذكرى اليوم الوطني لتأسيس المملكة بجهود الملك الراحل عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (رحمه الله). إن مشروع توحيد المملكة ولمّ شعثها فكرة طموحة لا يقدح بها إلا ذهن ثاقب، وفؤاد حي، ونفس قادرة على استشراف المستقبل وبنائه بناءً متماسكاً يستثمر معطيات الحاضر متجاوزاً سلبياته، هذه النظرة الاستشرافية العميقة سمة تميزت بها شخصية الملك المؤسس فاستطاع بها مستعيناً بالله ثم بهمته العالية وأعوانه المخلصين أن يوحد أرضاً شاسعة ممتدة يحكمها نظام قبلي تغذيه انتماءات متعددة ذات توجهات متصارعة . هذا الواقع المعقد، وتلك الأرض المفككة، وتلكم الأهواء المتضادة لا يجرؤ على مواجهتها والعزم على لمّ أطرافها تحت راية واحدة إلا رجل كبير الهمة، عبقري التفكير، يدرك فقه التوحيد وثماره، وها نحن ننعم بذلك الجهد العظيم هانئين بخيرات ومنافع مشروع التوحيد النادر مثله على صفحة الزمن. وهكذا فإن العظماء في ذاكرة التاريخ يبقون أحياء حتى بعد موتهم، حيث يتركون بعد رحيلهم شواهد حية ناطقة تحكي مآثرهم وخيراتهم وجهودهم التي عم نفعها من بعدهم. وحين نتأمل ثمار توحيد المملكة ندرك يقيناً أن الحياة في الجزيرة غير ممكنة بغير ذلك التوحيد. فنعم الناس به بعد جهود جلالة المؤسس رحمه الله. فالأمن ثمرة واحدة ضمن ثمار كثيرة يانعة تضمها سلة خيرات التوحيد، فالتعليم ومشاريعه الضخمة التي تشهد قفزة في هذه المرحلة، والصحة وتوسعاتها الكبيرة، والطرق وامتداداتها، والخدمات بأنواعها، كل ذلك لم يتحقق إلا بعد جمع البلاد وقيادتها بزمام واحد. ومن هنا كانت لهذا اليوم التاريخي أهمية كبرى ومشاعر تحرك الإحساس بما نحن فيه من نعم، وترفع الأكف بالدعاء الصادق المخلص لمؤسس هذه النهضة وغارس خيراتها التي نقطف ثمارها اليوم شاكرين فضله وفضل من راعوا ذلك الغرس بعده بإخلاص وصدق، ونخص ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز حفظهما الله، اللذين تشهد المملكة في زمنهما ازدهاراً كبيراً بفضل الله ثم بجهود قيادة تقود البلاد بحكمة وعزم على إحلال المملكة وشعبها أعلى المراتب، باذلين بسخاء ومحبة في سبيل البناء. @ مدير جامعة الملك سعود