احتفلت المملكة بالذكرى الحادية والثمانين لتوحيدها على يد الراحل الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- بعد ملحمة بطولية خاضها بحكمة وشجاعة لتأسيس البلاد وتوحيد أطرافها وربطها بمرجعية واحدة بعد أن كانت مشتتة الأهواء، متعددة الانتماءات. والحقيقة أن طموح تأسيس دولة وتوحيد أطرافها طموح كبير، والإقدام عليها بطولة نادرة تكشف عن نفس تدرك أهمية بناء المستقبل بناءً متماسكاً يجعله بيئة صالحة للعيش، تتوفر فيها مقومات الحياة وشروطها، هذه النظرة الاستشرافية سمة تميزت بها شخصية الملك المؤسس -رحمه الله- فاستطاع مستعيناً بالله ثم بهمته العالية وأعوانه المخلصين أن يوحد أرضاً شاسعة ممتدة ذات توجهات متصارعة حتى استقامت له تحت راية واحدة ورأي واحد، وها نحن نتقلب في نِعَم ذلك الجهد العظيم هانئين بخيرات ومنافع مشروع التوحيد النادر مثله على صفحة الزمن. والتاريخ يؤكد أن طبيعة الحياة في الجزيرة لم تكن ممكنة بغير ذلك التوحيد، فقد كان الأمن الذي يَهَبُ الحياة معناها غير متحقق على أرض الجزيرة، حتى غرس جلالة المؤسس -رحمه الله- أطنابه فصار الناس هانئين به لا يخشون على نفوسهم وأموالهم وأهليهم، ومن المقرر أن الحياة لا يمكن أن تتحقق بمعناها الحقيقي في أي تجمع سكاني إلا بالأمن، وهذا ما نتمتع به في بلادنا اليوم بفضل الله ثم بفضل جهود جلالة المؤسس. ولم يقف جلالة الملك المؤسس -رحمه الله- عند حد توحيد المملكة، بل ساقته همته الكبيرة إلى مواصلة العمل ببنائها بناءً محكماً يجعلها دولة لها اعتبارها ذات شأن وحضور مؤثر في مستقبل الزمان، فأطلق عدداً من المشروعات التنموية والإصلاحية والتعليمية إلى جانب إرساء عدد من الاتفاقيات السياسية المهمة مع كبرى الدول، فهيّأ بهذا بلاده لمن يأتي بعده لإتمام ما أسسه من قواعد تكفل تحقيق النهضة والازدهار، وهذا ما تمَّ بفضل الله فالتعليم ومشاريعه الضخمة اليوم تشهد قفزة كبيرة غير مسبوقة، أعان عليها اهتمام الملك المؤسس -رحمه الله- به وحرصه على تطويره، بدءاً من تأسيسه مديرية المعارف في عام 1344ه وتأسيس المعهد العلمي السعودي في عام 1345ه، إضافة إلى اهتمامه بالتعليم العالي المتمثل في تأسيسه كلية الشريعة بمكة المكرمة في عام 1369ه، وقد أثمرت جهوده تلك عن تطور كبير في قطاع التعليم اليوم يتمثل في انتشاره على كل مناطق ومحافظات وهجر المملكة، وتغطية التعليم العالي جميع المناطق من خلال (33) جامعة تقدم جميع التخصصات الطبية والصحية والعلمية والإنسانية. وإلى جانب التعليم تشهد المملكة نمواً في عدد من القطاعات كالصحة والطرق والخدمات الأخرى بأنواعها، كل ذلك لم يتحقق إلا بعد جمع البلاد وقيادتها بزمام واحد. وقد شهد هذا العام تعزيزاً لأوضاع المواطنين وتحسناً لأحوالهم بالقرارات الملكية الكريمة التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- في تجسيد عملي منه للسير على نهج المؤسس -يرحمه الله- في الحرص على بناء الدولة والإنسان، حيث أصدر حزمة من القرارات لتلبية حاجات المواطنين للمسكن، وتعزيز الوضع المادي لهم، وطرح الفرص الوظيفية، وإعانة العاطلين، وغيرها من القرارات التي تثبت قدر الالتحام بين القيادة والشعب. إن لذكرى تأسيس البلاد أهمية تستعيد في ذاكرتنا الجذور الأولى التي تولَّدت منها معالم نهضة بلادنا اليوم، فنتوجه برفع الأكف بالدعاء الصادق لمؤسس هذه النهضة وغارس شجر خيراتها، سائلين الله له الرحمة والمغفرة، وأن يعين أبناءه من بعده على مواصلة النهضة بالبلاد وتثبيت دعائم أمنها واستقرارها، ونخص ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز، ونائبه الثاني صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز يحفظهم الله جميعاً، الذين تشهد المملكة في زمنهم ازدهاراً كبيراً وعزماً على إحلال المملكة وشعبها في أعلى المراتب، باذلين بسخاء ومحبة في سبيل البناء، فلقيادتنا أصدق الولاء، ولجلالة الملك المؤسس الدعاء بفسيح الجنان. * مدير جامعة الملك سعود