دافع الزميل صالح الشيحي في مقاله المنشور في صحيفة الوطن الأحد الماضي عن جرأة الحوار في المسلسلات السعودية مبرراً أن هذه الحوارات بما تحتويه من ألفاظ خادشة هي من الواقع الذي نعيشه فعلاً في شوارعنا وملاعبنا وفي أغلب الأماكن العامة. وما دامت موجودة فعلاً في واقعنا ونسمعها في كل زاوية من زوايا حياتنا الاجتماعية فلماذا الغضب -إذن- من المسلسلات التي تستغل هذه الألفاظ وتعرضها على الملأ؟ من ناحية المبدأ أتفق مع رأي الشيحي وأزيد بأن عنصر المحاكاة مطلب مهم وضروري لأي عمل فني يستقي مادته من الواقع المعاش ولو نظرتَ للأعمال السينمائية والتلفزيونية العالمية التي تتبنى الاتجاه الواقعي لوجدت فيها نقلاً صارماً وصادقاً للواقع بكل أبعاده الإيجابية والسلبية ومن ذلك الألفاظ والمعاني البذيئة؛ تحقيقاً لمبدأ المحاكاة. وعليه فإن أي عمل يدعي الواقعية ولا ينقل هذه الصورة الصادقة من الواقع سيصبح عملاً مصطنعاً وكاذباً. شخصية مناحي كما ظهرت في "بيني وبينك" وفي أعمال سابقة هي شخصيةٌ لرجل من قاع المجتمع، أمّي وجاهل، ومحتال، له في الخمور والمخدرات والفضائيات الإباحية خبرة لا بأس بها، وشخصية بهذا المستوى المتدني من الوعي لا يتوقع منها أن تكون ذات أخلاق رفيعة وأن تتحدث بلسان مؤدب. وإذا أردت أن أصورها في عمل درامي بكل صدق فلا يمكن أن أتجاوز نوعية الكلمات التي تنطق بها في الواقع الحقيقي. يجب علي أن أقدم الشخصية بكل ما فيها خير وشر. كل هذا لا يعني أنني راض عما ظهر في "بيني وبينك" وبالعكس أنا مستاء جداً مما ورد فيه من ألفاظ خادشة ولا أرى أن استيائي هذا يتعارض مع تأييدي لفكرة محاكاة الواقع التي ذكرتها قبل قليل وذلك لأن المشكلة -كما أراها- ليست في المسلسل نفسه بل في مكان وتوقيت عرضه. فالمسلسل أجاد تصوير شخصيات الواقع بكل مساوئها وكان صادقاً في هذا التصوير لكنه أخطأ في اختيار الوقت المناسب لكي يطل على الجماهير. وهنا تحديداً تكمن المشكلة التي من أجلها ثار المجتمع واعترض المعترضون. بالطبع الخطأ ليس خطأ فايز المالكي ولا خطأ صناع المسلسل بل هو خطأ القناة التي لم تحسن تقدير الأمر فقامت بعرض المسلسل في الوقت الذي يجتمع فيه كل أفراد العائلة. إن الاعتراض هو على هذه المفاجأة غير السارة التي قدمتها القناة في هذا الوقت لمشاهديها الذين احتشدوا صغاراً وكباراً أمام الشاشة من أجل أن يشاهدوا عملاً محلياً نقياً من كل ما هو مؤذ لأسماعهم وأبصارهم. ولا أعتقد أن الزميل صالح الشيحي يلغي حق المشاهد في البحث عما هو مناسب لأطفاله، خاصة أن الألفاظ التي سمعناها في المسلسل، وإن كانت مأخوذة من الواقع فعلاً، إلا أنها ليست مما يستحب ذكره في المجالس ولا في البيوت أمام الصغار. القنوات الأجنبية مع كل التهم التي نلقيها عليها تبقى أكثر مراعاة للمشاهد من القنوات العربية. في التلفزيون الأمريكي توجد تحديدات صارمة لأوقات العرض فلا تجد مسلسلاً به ألفاظ جريئة أو مشاهد ساخنة يعرض في الأوقات العائلية بل يعرض في آخر الليل تسبقه تحذيرات لولي الأمر كيلا يصدم هو وعائلته بمشاهدة عمل غير ملائم. ولو أن قناة MBC اتبعت نفس الطريقة وقامت بتحذير أولياء الأمور من ألفاظ المسلسل قبل عرضه لما كانت هناك أي مشكلة. ما أريد قوله هو أني لا أعترض على وجود هذه الألفاظ في المسلسل واتفق مع الزميل الشيحي في ضرورة تصوير الواقع تصويراً صادقاً حتى وإن كان مؤذياً، لكني -مع ذلك- أرى أن لكل مقام مقالاً وأن لكل وقت من أوقات البث الفضائي أعماله التي تلائمه، ومسلسل "بيني وبينك" بالكلمات التي احتواها ليس مناسباً أبداً للعرض في وقتٍ يجتمع فيه رب العائلة مع أطفاله الصغار.