وضعت الادارة الأمريكية خطة بقيمة 700مليار دولار لحل اسوأ ازمة ثقة تشهدها اسواق المال، تقوم على السماح لوزارة الخزانة بان تشتري من المصارف اصولا عقارية عاجزة عن بيعها لاعادة تحريك عجلة القروض. وهذه الخطة التي ارسلتها وزارة الخزانة الى الكونغرس في وقت متأخر من يوم الجمعة الماضي ووزعت السبت في الكابيتول، تمنح الحكومة لمدة عامين سلطة شراء اصول مرتبطة بالقروض العقارية والتي تعتبر السبب الاول لهذه الازمة المالية. وجاء في الاقتراح الحكومي ان "سلطة وزير (الخزانة) لشراء اصول مرتبطة بقروض عقارية مشمولة بهذا النص ستحدد ب 700مليار دولار". ويبدو ان البرلمانيين اقتنعوا بضرورة دفع هذا المبلغ غير المسبوق والذي يقع ضمن حدود التقديرات التي اعلنها خبراء مصرفيون منذ الجمعة. وقبل اربعين يوما من الانتخابات الرئاسية، تواجه هذه الخطة خطر الاصطدام بخلافات بين الادارة الجمهورية والاكثرية الديموقراطية في الكونغرس. وقال السناتور الديموقراطي النافذ تشارلز شومر "انها قاعدة جيدة يمكن ان ترسي بسرعة الاستقرار في الاسواق" معربا في الوقت عينه عن اسفه كونها لم تلحظ "اية حماية ظاهرية للمساهمين او لاصحاب الاملاك العقارية". وقرر وزير الخزانة هنري بولسون تخصيص القسم الاكبر من نهاية الاسبوع في اجتماعات مع النواب والشيوخ لتسوية هذه الخلافات. وكان شومر اعلن الجمعة ان الهدف هو اقرار الخطة سريعا، في غضون اسبوع، حيث يريد البرلمانيون تعليق اعمالهم البرلمانية بأسرع وقت ممكن لكي يذهبوا الى العطلة قبل حلول موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية في الرابع من نوفمبر. ودافع بوش السبت عن اهمية المبالغ الضخمة الواردة في الخطة. وقال "انا مقتنع ان هذه المقاربة الجريئة ستكلف العائلات الأمريكية اقل بكثير من الخيار البديل" الذي يقوم على عدم التدخل الحكومي، ملوحا بخطر زوال اعداد "هائلة" من فرص العمل واستمرار سقوط السوق العقاري وشح القروض الاستهلاكية، ما يهدد بتكرار ازمة الكساد الكبير التي شهدتها الولاياتالمتحدة في ثلاثينات القرن المنصرم. وبحسب الوثيقة الحكومية فان الخطة يعمل بها لمدة سنتين ولكن وزارة الخزانة تتمتع بصلاحية ان تبقي في عهدتها الاصول العقارية التي ستشتريها بموجب الخطة لمدة اطول طالما رأت ضرورة لذلك. والاصول التي يحق للوزارة شراؤها بموجب هذه الخطة يجب ان تكون مرتبطة بقروض عقارية سلمت قبل الاربعاء الفائت تاريخ بدء الوزارة بإعداد هذه الخطة. ومن ناحية اخرى وحدها المؤسسات المالية التي تتخذ من الولاياتالمتحدة مقرا لها ستكون معنية بهذه الخطة. وطلبت الادارة من الكونغرس الاذن بتوظيف خبراء لادارة الاصول التي ستشتريها من المصارف. ويأتي الكشف عن هذه الخطة في نهاية اسبوع شهد تراجعا مأسويا في البورصات العالمية التي عادت وانتعشت اثر ضخ ادارة بوش كميات هائلة من الاموال الحكومية لانقاذ شركات عملاقة من الافلاس. وعلى الرغم من التفاصيل التي كشفت عنها الادارة الأمريكية الا ان هذه الخطة تنطوي على الكثير من المسائل الغامضة. وقالت ماري آن هورلي المحللة الاقتصادية لدى "دي اي ديفيدسون اند كو" ان "السؤال الذي تبلغ قيمته الف مليار دولار هو كيف ستحدد الحكومة اسعار العقارات" التي ستشتريها من المصارف. واضافت "هل سيشكل هذا خسائر كبيرة اضافية للمصارف والمؤسسات المالية؟". اما براين بيتهون المحلل الاقتصادي لدى غلوبال انسايت فقال ان "الكلفة الاولية ستكون مئات مليارات الدولارات التي يجب ان تغطيها الخزانة الأمريكية" ولكن "الكلفة النهائية بالنسبة للمكلفين ستكون اقل بكثير اذا ما اخذنا في الاعتبار امكانية نهوض الاقتصاد والسوق العقاري في الربع الثاني من العام 2009والعام 2010". من جانبه أعلن المرشح الديموقراطي الى البيت الابيض باراك اوباما "دعمه الكامل" الجمعة في فلوريدا لخطة الحكومة لمعالجة الازمة المالية، داعيا اياها الى مساعدة "المواطن العادي" على الا تقتصر مساعدتها على وول ستريت فقط. فقد اعلن اوباما "دعمه التام" لخطة الادارة الامريكية الرامية الى طمأنة القطاع المالي من خلال مساعدته على التخلص من الاصول المعرضة للخطر. وقال "لا يمكننا ان نضع فقط خطة لوول ستريت. ومن الضروري ان نساعد المواطن العادي ايضا". واضاف "يسرني ان حكومتنا تتخذ خطوات بالسرعة الكافية لمواجهة الازمة". الا انه اضاف "لكن هذه الازمة هددت العائلات والعمال ومالكي العقارات طوال اشهر ولم تقم واشنطن الا بخطوات ضئيلة للمساعدة". واوضح اوباما انه "سيبحث عن كثب في الايام المقبلة في تفاصيل اقتراحات وزارة الخزانة والاحتياطي الفدرالي"، مشيرا الى انه لا ينوي تقديم اقتراحات اقتصادية مفصلة قبل ذلك. و"نظرا الى خطورة الوضع" طلب اوباما من مستشاريه الاقتصاديين الاحتفاظ باقتراحاتهم التفصيلية حول الازمة افساحا في المجال امام الحكومة "لتقدم اقتراحاتها الخاصة"، كما افاد الجمعة بيان للمرشح الى الانتخابات الرئاسية في الرابع من تشرين الثاني - نوفمبر. وكتب اوباما في البيان "ادعم جهود وزير (الخزانة هنري) بولسون ورئيس الاحتياطي الفدرالي (بن) برنانكي للعمل بذهنية غير منحازة مع زعماء الكونغرس لايجاد حل منهجي لازمتنا التي تزداد تعقيدا". من جهة أخرى، حزمت السلطات الامريكية امرها وقررت استخدام الوسائل الكبرى للتصدي للازمة المالية التي تهدد باغراق النظام المالي وذلك بعد ان اقرت بعدم نجاعة الجهود التي تتخذها تباعا لحل المشاكل التي تطرأ. وبعد ان قامت السلطات الامريكية، معتمدة اسلوب المواجهة حالة بحالة، بوضع اليد على مؤسستي اعادة التمويل العقاري فاني ماي وفريدي ماك ومشاهدة افلاس بنك الاعمال ليمان براذرز واضطرت لتأميم مجموعة التأمين "ايه آي جي" فانه يبدو انه ليس امام السلطات الامريكية خيارات اخرى. وفي اشارة الى الحلقة المرعبة التي تهدد بالتهام بنوك اخرى مثل مورغن ستانلي، اعتبر الديمقراطي كريس دود ان الولاياتالمتحدة "قد تكون على بعد ايام قليلة من انهيار كامل لنظامها المالي". وردت اسواق المال بحماس على تصميم السلطات الامريكية على تنظيف ارصدتها. واستعادت في خضم ذلك الاسواق الآسيوية عافيتها وكسبت بورصة باريس 9.27بالمئة في حصة واحدة وبورصة فرانكفورت 5.56بالمئة وبورصة لندن 8.84بالمئة. كما شهدت وول ستريت ارتفاعا كبيرا بنحو 350نقطة في منتصف الحصة. وجاء الاعلان عن هذه الخطة التي تعالج عمق المشكلة متزامنا مع سلسلة اجراءات ذات اثر فوري هدفت الى الطمأنة بشأن توفر السيولة في الاسواق واعادة تشغيل انظمة القروض.