تشابه قريب جداً بين القضية الفلسطينية، والكردية، فكلا الشعبين، إما وقع تحت الاحتلال، أو التشرذم بين دول مجاورة كأقليات، وظلت نزعة التحرر وتكوين الدولة، القسم الثابت في تتابع الأجيال وتواترها، وعلى قائمة الأولويات بالنسبة للشعبين وقياداتهما.. فالفلسطينيون عاشوا في الحضانة العربية، وبأسبابها حدثت تحولات في الحكومات والأقاليم، قامت انقلابات، وتغيرت خرائط، وتداولنا حروباً عدة مع إسرائيل التي كانت الأليف والحليف للغرب بشطريءه الأوروبي، والأمريكي، وباعتبارها دولة مهاجرين وعلى كفاءة عالية من تجارب شعوب المصدر، فقد استطاعت من خلال سيل الأموال والتسلح والخبرات أن تبني كيانها، غير أن الجرح العربي صار ينزف، واستمر على هذا الوضع إلى أن وقعت أحداث الهزائم، وشبه الانتصارات بين طرفيء الحرب، ثم جاء الفلسطيني المقاوم الذي أراد أن يكون رقم المعادلة، فقاد عدة تجارب بدأت بانتماءات بين تيارات عربية ودولية عندما كان اليسار رقماً أساسياً، غير أن الأخطاء كانت بحجم المكاسب السياسية، والتي لم تؤثر في زيادة الرقعة الفلسطينية بالحروب أو المفاوضات، وحتى الدول التي حاربت، وخسرت والدول الأخرى الداعمة، بدأت تحكمها الأطر السياسية أكثر من الشعارات الثورية، وهنا أصبح الأمر يتجه إلى أزمة فلسطينية داخلية عندما توزعت الأدوار وحتى السياسات، وبقي الأمر ينزف باتجاه الخسائر دون المكاسب.. الأكراد عاشوا المراحل العربية، حاولوا استمالة الغرب بأن يكونوا البديل عن النمط الثوري المتفجر في الخمسينيات والستينيات، وعندما خسروا الرهان اتجهوا لإسرائيل، وأيضاً لم تكن على نفس الكفاءة في دعم قضيتهم، وانتقلوا إلى المنظومة الشيوعية، ولكن بمد حبال مع الاتجاهات الأخرى، والهدف أن تبقى استراتيجية قيام الدولة الكردية هي الأهم والمبتدأ أو الخبر، إلا أن سوء أوضاعهم بالجوار الرافض لوجود أي كيان أو حتى جيب يكون نواة للدولة الأكبر، جعل المواجهة أصعب من يكون الشمال العراقي هو محرر أكراد تركيا وإيران وسورية.. الآن، وهم يخططون لنواة الدولة الكردية في الشمال العراقي، ومحاولة الزحف على مناطق متنازل عليها مع قوميات وجنسيات ومذاهب مختلفة، يفرضها قانون الثراء النفطي في تلك المناطق قد يصعّب المشكلة ليس فقط في مواجهة الدولة المركزية العراقية، وإنما بالرفض المنسق بين أمريكا والحليف التركي، وحتى الإيراني إذا ما تغيرت الظروف وتم تسوية مشكلة السلاح النووي الإيراني، وحتى مع سورية هناك بوادر انفراج يرتبط بالتسويات الحدودية والأمنية مع إسرائيل وزحزحة للخلاف معها، وكل هذا لا ينفصل عن القضية الكردية بتعقيداتها وسيرورتها الطويلة.. قطعاً أمريكا، حتى لو أرادت تغييب الوجه العربي من العراق تحت مسمى التركيبة السكانية غير المتجانسة وربطها باتحاد كونفدرالي، فهذه الصيغة تأتي لجعل هذا التجانس، أو التعايش في خدمتها لأنه لا يعنيها أن يتوحد أو يتمزق العراق، إلا إذا كانت مصلحتها النفطية تحديداً هي من تحدد هوية هذا البلد، وباعتبار الأكراد جزءاً من هذا المكوّن الجغرافي، فهي لن تسمح أن يكون هناك دولة أو حتى سلطة عليا على بقية العراقيين، ويبقى التماثل بين الفلسطينيين والأكراد وفي هذه المنطقة بالذات أمراً واقعاً قد لا تغيره الأحداث القريبة القادمة..