الإسلام رسالة عالمية مرنة قابلة لاستيعاب المتغيرات والتكيف معها وهذا ما ضمن سعة انتشاره وسهولة اعتناقه رغم كل العوائق التي وقفت وتقف أمامه والتي من أبرزها التطرف والتشدد والتنطع وتقديم السنن على الأركان أو المتشابه على المحكم ناهيك عن خدمة أعداء الأمة من خلال ممارسة الإرهاب أو دعمه مادياً أو معنوياً أو تشجيعه أو تبرير ممارسته وثقافته.. إن ثقافة الإسلام واسعة وعريضة تستطيع أن تستوعب طيفاً واسعاً من الآراء والاجتهادات التي تصب في خانة واحدة هي المصلحة العامة لهذه الرسالة وللأمة التي تؤمن بها لكن غياب الأسلوب الأمثل للتعامل الإسلامي المتمثل في الوسطية من خلال المرونة والاعتدال هي التي تتيح لبوادر التطرف أن تطفو على السطح على الرغم من أن الأكثرية هم من يمارس وسطية الإسلام ويدعو إليها. من هذا المنطلق فإن الثقافة الإسلامية المعتدلة هي التي يجب أن تسود وأن تركز على المنطلقات التي تجذب غير المسلمين إلى الإسلام من خلال اظهار تسامحه وحفظه لحقوق الإنسان والحيوان والبيئة وحضه على التكافل وعدم اراقة الدماء ونبذه للحروب والتخريب ودعوته لإعمار الأرض لصالح الإنسان المستخلف عليها والمطالب بإقامة العدل فيها. إن ثقافة التكفير والتفجير تنافي كل ذلك، ذلك إنها ثقافة تقوم على العنف والقتل والتخريب وبالتالي تؤدي الى الاستقطاب داخل المجتمع الإسلامي وتولد الكراهية للإسلام وأهله لدى الآخرين الذين يخضعون لغسيل أدمغة من خلال الاعلام المضلل والمأجور والذي تديره عناصر معادية للإسلام وأهله والتي تستغل الممارسات غير المسؤولة التي يقوم بها الجهال أو المغرر بهم أو المأجورين من أبناء المسلمين. والتي تنعكس نتائجها على أوطانهم وأهلهم ومقدساتهم بصورة سلبية. إن الثقافة الفكرية والسياسية لدى الفرد يجب أن ترتفع إلى مستوى يستطيع معها الفرد أن يفهم الغث من السمين وبالتالي لا يذهب ضحية حماس غير مدروس أو تشدد غير مبرر وحتى لا يذهب ضحية لآراء وأفكار توصل إليه بوسائل وطرق متعددة لا يمكن التحكم بها إلا أنه يمكن تحصينه ضدها، إن الأفكار المتشددة والتي تدعو الى فلسفة تفضي إلى ثقافة التكفير والتفجير يزرعها من يكسب على حساب الأمة ومصالحها ويخدم من يسعى إلى تدميرها وتشتيت جهودها وإيجاد شروخ وصراعات داخل مجتمعاتها. إن للمرحلة متطلبات يجب علينا أن نعيشها وبالتالي يجب علينا أن نعيد صياغة خطابنا الإعلامي والديني والتعليمي والثقافي بحيث تتواءم منطلقاتها وأهدافها مع متطلبات روح العصر ومتغيراته. إن إعداد الرأي العام لا يتم من خلال التكرار بقدر ما يتم من خلال الإقناع ولعل خير شاهد على ذلك ما يتم نشره أو بثه خلال الأسابيع الماضية من اعترافات الشباب، الذين غرر بهم ثم عادوا الى درب الصواب بعد الاقناع والمناصحة. إن ثقافة الاعتدال سوف تفرز جيلاً ملؤه المحبة والحكمة والقدرة على التمييز والبعد عن منحدرات المزايدة المبنية على قليل من العلم وكثير من التشويش الذي تزيده اللا مبالاة والمباهات بأطروحات ظاهرها مضحك لأنه لا يفهمها وباطنها محزن لأنها تضر أكثر مما تنفع. إن وحدة الكلمة ومصلحة الوطن وحبه صماما أمان لحماية ديار الإسلام وبالتالي اعزاز الإسلام وحماية مقدساته ذلك أن أي تهاون يعني خلق ثغرات يلج منها الأعداء خصوصاً وقت الأزمات كتلك التي تحيق بمنطقة الشرق الأوسط والخليج هذه الأيام.. ولعلي هنا أشير أن التشدد ليس دينياً فقط فهناك متشددون في الجانب الآخر من المعادلة لا يرضيهم إلا من كان على نهجهم ويردد أطروحاتهم، وبالتالي يضيع اعتدال الأغلبية نتيجة الضجيج الذي يحدثه الصراع بين المتطرفين على جانبي المعادلة. ان لكل طرف من أطراف التشدد أجندته التي لا يتخلى عنها ولا يقبل النقاش حولها إلا إذا تمت مخاطبته من قبل من يعتقد أنه يفهمه أو يثق به لذلك يجب أن نتحرك باتجاه من لديه القدرة على اختراق تلك الحواجز ويملك القدرة على الإقناع وبالتالي نضمن سماع كلمته وأطروحاته المعتدلة. إن القناعات والمواقف المسبقة تمنع أصحابها من الاستماع إلى الآراء الأخرى حتى وإن كانت صائبة خصوصاً إذا جاءت من قبل أطراف تم تصنيفهم مسبقاً على أنهم يقبلون الرأي حتى وإن لم يكن صائباً إذا جاء من قبل أطراف أقرب إلى تفكيرهم ومنهجيتهم وهذا يحتم البحث عن الحلقة المفقودة في تلك المعادلة الصعبة.. إن تشخيص المرض لا يمكن أن يتم من قبل المريض حتى وإن كان المريض طبيباً.. والحقيقة هي ان الاعتدال والتوسط في الأمور كلها خير وسيلة للتوافق والالتقاء وهذا هو ما جعل الإسلام الوسطي ينتصر على مر العصور على من تطرف إسلامياً أو تطرف العكس. نعم إن المرونة والدبلوماسية والتوازن والاعتدال في تعاملات الدين الإسلامي وأنظمته لا يمكن أن يزايد عليها لا بالتشدد فيها ولا بالتحرر منها.. نعم ان المشكلة لا تكمن في النظام الإسلامي ولكنها تكمن في أسلوب تطبيقه وأسلوب فهمه وهذا يعتمد في المقام الأول على أسلوب تعلمه ووسائل إيصاله. إن فقه المعاملة وفقه العبادة يجب أن يؤدي كل منهما إلى الآخر لأنهما متكاملان وبالتالي يجب أن يتم التركيز عليهما معاً وليس على جانب واحد منهما ذلك ان كثيراً من الناس يمارس العبادات ولكنه لا يجيد المعاملة الإسلامية أو لا يفقهها مع انها خير وسيلة لفهم وتجسيد مقاصد العبادة. من هذا المنطلق يمكن أن تبدأ الدعوة دائماً من خلال ترسيخ مفهوم الإسلام للمعاملة فإذا تم أداؤها من قبل غير المسلمين أصبح من السهل إقناعهم بدخول الإسلام أو على الأقل التعاطف معه لأنه يحث على مكارم الأخلاق التي ينشدها كل إنسان سوي في هذا الكون العامر. إن الحوار والمقارنة والمقاربة عندما تُعتمد كأساليب للتواصل مع الشعوب غير الإسلامية ويتحمل مسؤولية القيام بها من لديه دراية ومهارة وعمق فهم لثقافة وتطلعات ومصالح الطرف الآخر المقصود بإيصال الرسالة إيه كاملة غير منقوصة تصبح المهمة أسهل في الوصول إلى الغاية المنشودة. نعم ان المشكلة الرئيسية التي يعاني منها الإسلام في بلاد الغرب وجود من يحاول تشويهه وفي نفس الوقت عجز المسلمين عن الرد المناسب من خلال دحض تلك الافتراءات بواسطة الكتب والمقابلات التلفزيونية والرفع إلى المحاكم طبقاً للأنظمة المرعية هناك.. ليس هذا وحسب بل انه يمكن استغلال كل عملية تشويه للإسلام تتم هناك من أجل القيام بحملة مضادة تدحض التشويه وتوضح الجوانب المضيئة للإسلام.. وهذا لا يستطيع القيام به إلا أبناء المسلمين هناك وهؤلاء يحتاجون إلى الدعم اللوجستي الذي يمكنهم من القيام بتلك المهمة وهذا بدوره مناط بالمؤسسات الإسلامية الفاعلة التي تستطيع أن تبني لنفسها سمعة ومكانة بعيداً عن منزلقات الإرهاب ومفرداته. ليس هذا وحسب بل ان المبادرة إلى إنتاج أفلام وثائقية عن التوازن والاعتدال في التعامل الإسلامي ومقارنة الحقوق والواجبات فيه بما هو معمول به في الأنظمة الغربية يعتبر من الوسائل الناجحة لفهم الإسلام ناهيك عن التركيز على إيضاح النقاط التي يعتمد المشوهون عليها للنيل من الإسلام وأهله. إن الأسلوب العاجز أو القاصر في الرد على انتهاك حرمة الإسلام ونبيه الأعظم والمسلمين هو الذي يعزز من مواقف المشوهين ويوصل رسالتهم في كثير من الأحيان. إن شعبية الإسلام المعتدل سوف تكون كاسحة لو تم تبنيها بعيداً عن التطرف والتشدد ودعم مقولة الإرهاب التي ألصقت بالإسلام من خلال زرعه ودعمه واشهاره حتى تم تصديقها بسبب هيمنة الإعلام الجبار الذي تهيمن عليه الصهيونية العالمية والمتحالفين والخاضعين معها اولها والله المستعان.