أقدّر للشركة السعودية للنقل الجماعي تاريخها العريق وخدماتها الجليلة وريادتها التي لا ينكرها احد في تيسير المواصلات عبر البلاد منذ عام 1399ه.. لكنني لا أقدر لها ولا لغيرها من قطاعات خدمية أن تبدأ عملاقة ثم تأخذ في الانحدار واللامبالاة حتى لكأنها بسمعتها القديمة قد ضمنت الخلود بدون بذل اي جهد للحفاظ على تلك السمعة.. والحكاية بدأت معي قبل ثلاثة ايام حين اجبرتني الخطوط السعودية على اختيار وسيلة نقل اخرى للعودة للرياض من جدة رغم حجزي وانتظاري وتحملي مع غيري من المنتظرين لمعاملة الموظفين المتعالية هناك.. المهم ان الخيار الثاني كان بالطبع شركة النقل الجماعي، توجهت الى مبناها هناك وحجزت مقعدي على متن احدى حافلاتها وانتظرت الساعتين الباقيتين على ميعاد الحافلة والتي كان موعدها الثانية عشرة ظهرا، واثناء تواجدي هناك ألحت علي امنية واحدة هي ان يتفضل احد مسؤولي الشركة ويجلس منتظرا لمدة ساعتين في نفس المكان ليعيش بنفسه تجربة لن تسره كثيرا، لكن امنيتي هذه امتدت بعد ان تأخرت الحافلة نصف ساعة عن موعدها لتشمل ان يتفضل ذات المسؤول بركوب الحافلة معنا ليشاهد بنفسه مستوى النظافة والراحة في قلب الحافلة وايضا انا متأكدة ان ما سيراه لن يعجبه.. المهم بدأت الحافة العملاقة في التحرك ليتضح لنا بعد قليل ان الشركة اختارت لنا حافلة يفترض انها ستقطع نصف مساحة المملكة في الوقت الذي بدت فيه غير قادرة على ان تتجاوز الرصيف الذي تقف عليه ! واخذت الحافلة العجوز تسعل وتنتفض وتسير خطوة وتقف عشرة والسائق يزفر وينفخ ويهاتف احدهم عبر جواله ليخبره بعدم قدرة الحافلة على التحرك والمسؤول على الطرف الآخر يأمره بان يكمل المسيرة بها ولا شأن له بحالة الحافلة، ولوتجرأ أحد الركاب وفتح فمه اعتراضا اوضيقا اوتساؤلا لناله من لسان السائق ما يستحق، والجوحار والناس صائمون والحافلة تتحدانا جميعا بمكيف متهالك يغلقه السائق كل دقيقة ليوفر للحافلة العجوز طاقة على بضعة كليومترات اضافية.. على هذه الحالة سارت الحافلة حتى وصلت الى الطائف في اكثر من خمس ساعات مرهقة حارقة للاعصاب، وهناك انزلونا جميعا في محطة الشركة دون اي معلومات وقالوا انتظروا.. بقينا قرابة الساعة في مقر اسوأ من مقر جدة ننتظر وفي النهاية قمنا نستطلع فإذا بنا - حين عجز كل فرد في موقع الشركة عن الاجابة عن تساؤلاتنا حول مصير رحلتنا الى الرياض - نجدا الحافلة وقد دخلت الى الصيانة وبدأ العمال يعملون عليها وفي داخلها امتعتنا دون ان يخبرونا بالخطوة القادمة اوبما ينبغي عمله وعندما بدأ بعض المسافرين في سحب امتعتهم قام الباقون بفعل المثل وبعد فترة علمنا ان الشركة وجدت ان حافلتها لن تقوم لها قائمة فقررت مشكورة استبدالها بحافلة اخرى اقوى واقدر على رحلة الالف كيلو.. وصلنا الى الرياض بالحافلة الجديدة الساعة الثانية فجرا ولسان حال كل مرهق فينايقول : انها تجربة لن يكررها..!! والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هولماذا عندنا نحن العرب اذا نجحت شركة اوخدمة اوسلعة واستبشرنا بها خيراً تعود القهقرى وتبدأ في فقد رونقها وجودتها واهتمامها فلا يعود للمعايير التي بدأت بها أي اهمية ويصبح خليط (سمك -لبن - تمر هندي) هوصاحب الصوت الاعلى في التعبير عنها ؟ اين ذهبت الدعوة للإتقان التي حثنا عليها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم "ان الله تعالى يحب اذا عمل احكم عملا ان يتقنه" لماذا لم تقم سابتكو بعمل صيانة لهذه الحافلة (ولا اقول كل حافلاتها فانا لم اركب كل حافلاتها) قبل ان تقرر انها ستصحب ارواحاً بشرية في رحلة لاكثر من الف كيلومتر في حافلة لولا ستر الله لاحترقت بمن فيها؟ الحقيقة انني لا اجد عذرا واحدا للشركة ولا مبررا كافيا للسائق ولم تشفع الحافلة الجديدة في محوعار الحافلة الاولى، لكني آمل الا تصبح مثل هذه الواقعة عادة فتاريخ الشركة وخدماتها لا يسمحان لها بالوقوع في هذه السلبيات ابدا.