يبدو أن مخرج أفلام هوليودي فقط يمكنه أن ينتج نهاية كهذه لقصة حياة ايبي نتان، قبل بضع ساعات من موت "بحار السلام"، الذي القي به الى السجن بسبب نشاطه من أجل السلام، اعتقلت السلطات الإسرائيلية نشيط السلام جيف هلبر، الإسرائيلي الوحيد الذي كان على متن السفينة التي حطمت الحصار على قطاع غزة. لولا الحصار والاعتقال لكنا بقينا مع أقوال التأبين الكثيرة التي حظي بها ايبي من المسؤولين في الدولة. شمعون بيرس، الذي أقام المستوطنات في الوقت الذي تحدث ايبي مع منظمة التحرير الفلسطينية، توجه بلقب "الرجل الأكثر إيماناً في الوقت الذي ينقص الإيمان". ايهود اولمرت، الذي تربى في معسكر رأى في أناس مثل ايبي طابوراً خامساً، وعد بأن "نحفظ ذكراه بحب". وعن هذا يقال يبكون ويطلقون النار. للوهلة الأولى يمكن لايبي أن يرتاح في قبره بسلام. بعد 42سنة من هبوط طائرته الصغيرة على ارض العدو المصري، يستطيع الإسرائيليون أن يسافرون الى القاهرة وعلى جوازات سفرهم تأشيرة تلقوها من السفارة المصرية في تل أبيب. في هذه الأيام سليلو الليكود ومباي يديرون، في آن واحد مفاوضات مباشرة مع منظمة التحرير واتصالات متواصلة مع سوريا. إذا كان الجميع يتحدثون عن السلام، فلماذا لا يوجد سلام؟ كيف حصل أنه عندما يكون السلام على مسافة لمسة يبدو أنه آخذ في الابتعاد؟ لماذا مات ايبي نتان في وحدته وكاد ينسى؟ ماذا حصل ل "معسكر السلام"؟ لشدة المفارقة، فشل اليسار الصهيوني يكمن بقدر كبير بالنجاح الكبير لأفراد مثل ايبي، أوري افنيري، يوسي بيلين لتحويل السلام الى علامة تجارية ناجحة. الإسرائيليون اكتشفوا بأنه لا توجد مادة تطهر الضمير أفضل من أنشودة للسلام. عندما أعلن عن نفسي "مؤيداً للسلام" يكون أسهل جداً عليّ التعايش مع الاحتلال. وعندما أشارك في مظاهرات السلام يكون أسهل جدا عليّ أن اخدم في الحواجز. في يونيو 2005، عندما كان قائما بأعمال رئيس الوزراء عن الليكود، أعلن اولمرت في اجتماع لمنتدى السياسات الإسرائيلية (IPF) في نيويورك: "تعبنا من القتل، تعبنا من أن نكون شجعاناً، تعبنا من النصر، تعبنا من إلحاق الهزيمة بأعدائنا". ما كان لايبي أن يقول بأن أمراً جيداً. ولكن ماذا حصل منذئذ ؟ كلام ومزيد من الكلام. ايبي كان مستعداً لأن يدفع ثمن السلام ويعرض حريته وحياته للخطر. الزعماء الإسرائيليون (وكذا الفلسطينيون) وجدوا ملجأ آمناً خلف خطابات السلام، مؤتمرات السلام ومحادثات السلام. طالما يتحدثون ويتساومون فإنهم معفيون مما وصفه ارئيل شارون "تنازلات مؤلمة" وهي مهدئ ناجح لآلام السلام. "المسيرة السلمية" تسمح للجمهور الغفير بالتجمع خلف أسوار سميكة من ادعاء الحق. استطلاعات الرأي العام تشير على مدى السنين الى تأييد ثابت لأكثر من 70في المائة من السكان اليهود للمفاوضات على حل الدولتين. لو كانت الأغلبية مستعدة أيضاً لان تدفع الثمن المحدد لهذا الحل، لكان معسكر ايبي احتل منذ زمن بعيد الحكم. الزعامة السياسية تريد السلام مع الفلسطينيين والسوريين ولكنها لا تريد أن تتقاسم مع العرب الحكم في شرقي القدس. وحتى عندما تقترح 22دولة عربية على إسرائيل السلام والعلاقات الطبيعية، فإنهم يفضلون هضبة الجولان بدون السلام. ازدهار معسكر اليمين برئاسة بنيامين نتنياهو يدل على أن التهديد الديمغرافي لا يخيف الخلق. في واقع الأمر، بين البحر والنهر يوجد منذ زمن بعيد واقع ثنائي القومية تحت سيادة أحادية القومية، والسماء لم تسقط. كذلك ساهمت وسائل الإعلام الإسرائيلية التي تتباكى على السلام في تراجع وهج السلام. فمعظمها سوقت لقصة "لا وجود لشريك" وتجاهلت دور إسرائيل في فشل كامب ديفيد 2000.وبالنسبة لايبي فيبدو أنه ارتاح من عذابات السلام. @ صحيفة هآرتس