في الأسبوع الماضي تقرر زيادة رواتب العاملين في الميادين الطبية، وهي خطوة جاءت كثمرة لخلق حوافز لأهم القطاعات العاملة في الدولة والهيئات الأهلية، وبالأمس جاء قرار مجلس الوزراء بزيادة رواتب هيئات التدريس بالجامعات، واعتماد مبالغ كبيرة في بناء مساكن لهم، مع حوافز أخرى كمكافآت وغيرها، ليصب بنفس الإطار، أي أن أصحاب هذه الاختصاصات تحولوا إلى ميدان جذب على المستوى الإقليمي والدولي.. ومثلما تتسابق دول أجنبية على استقطاب المؤهلين والموهوبين في العالم الثالث والتنافس حتى داخل هذه المجاميع المتقدمة بإغراء العلماء وأصحاب الاختصاصات النادرة، تأتي هذه المبادرة لتدعم أهم أجهزة عاملة في ميادين حساسة.. وإذا كنا أكبر مستورد للعمالة بمختلف اختصاصاتها، وأن تماثل الشهادة والمؤهل والتجربة يجعل المتعاقد أكثر امتلاكاً للامتيازات، وحصولاً على الرواتب والحوافز، فإن هذه السياسة خلقت عبئاً عاماً عند أصحاب هذه المؤهلات، وهو ما انتبهت له كثير من الدول، لأن المبالغة بالعقود للأجانب تبعاً لدخولهم في بلدانهم، يجب على الأقل أن يتساوى مع المواطن في حقول العمل بالصحة والهندسة والتدريس في المعاهد العليا والجامعات إذا تساوت مجالات التحصيل العلمي.. لقد أثيرت موضوعات كثيرة حول سلّم الرواتب، وجعل الشهادة، في بعض الأحيان مؤهلاً للحصول على المراكز المهمة والقيادات الحساسة، إلا أن التأهيل يختلف تماماً بين حاصل على تعليم ما بدرجات متدنية، أو حتى لو كانت عالية، لكن صاحبها لا يملك حافز التطوير لاختصاصه، وبين آخر لديه الشهادة والتأهيل معاً، وأساتذة الجامعات هم من الفئات التي تنبني على بحوثهم ومعارفهم مساحات العمل التي تتدفق على السوق ورفع مستوى التنمية البشرية والاقتصادية.. مشكلة جامعاتنا أنها خضعت لأنظمة إدارية ألزمتها وزارة التعليم العالي على الاستمرار في هياكلها والتي كانت تناسب مرحلة ما، ولا تعيش مع إيقاع العصر وتطوره الآن وهنا كان لزاماً وراء تصاعد الاحتياجات للاختصاصات النادرة وخاصة هيئات التدريس المدربة والمؤهلة، أن لا تخضع لتقاليد الوظيفة العامة، والتي أصبحت عبئاً على الدولة في إنتاجيتها والتزامها بالوقت والعمل.. خادم الحرمين الشريفين ظل الرجل الذي وضع أهم أهدافه خلق قاعدة كبيرة، ومهمة للتعليم العالي، والتخطيط لإنشاء أفضل الجامعات وتطوير الأخرى، لأن الإيمان باقتصاد المعرفة ووضع بنية أساسية له من الداخل، مع الاستعانة بالكفاءات المتقدمة، عالمياً، وجلبها، هما الاستثمار الأمثل على المدى البعيد، لأن هذا الاتجاه خلاق في وضع قواعد أهم من أي مورد نفطي، أو غيره، والشواهد كثيرة وعندما نتبنى خططاً بجعل الجامعات مراكز علمٍ وبحوثٍ، واكتشاف مواهب ورعايتها، وإطلاق هذه الفئات في النشاط العام الوطني، ثم الاستمرار في تغذية المجتمع بنواتج الخريجين، فسوف نصل إلى كفاءة الوطن الذي يملك قواعد علمية وفكرية تستطيع أن تكون الرأسمال المتطور والناجح..