أحيانا تألف الأذن عبارة ما لدرجة أن العقل لا يظن أن هناك حاجة لوضعها موضع الاختبار والتمحيص فيأخذها كمسلمة غير قابلة للنقاش. في الفترة الماضية كنت محظوظا بسماع وجهة نظر أخرى حيال مصطلحين سكنا الذاكرة واعتادت عليهما الأذن فقبلهما العقل كما هما. المصطلح الأول الذي اعتادته أذناي هو عبارة "القرون الوسطى المظلمة" كإشارة للقرن السابع الميلادي والقرون السبعة التي تلته. إذ قرأت في كتاب "سلمان بن عبد العزيز: الجانب الآخر" لمؤلفه زين العابدين الركابي أن الأمير سلمان كان لا يستسيغ المصطلح، لان تلك القرون كانت مظلمة في أوربا في حين إنها كانت قرون الإشراق والتنوير العربي والإسلامي. من الظلم والجهل بالتاريخ الإشارة إلى تلك القرون كقرون مظلمة بالنسبة لنا كعرب ومسلمين. والأصح أن من الظلم للعالم كله اعتبار تلك القرون مظلمة لان الإشعاع الإسلامي وصل إلى معظم أجزاء العالم المعروفة آنذاك، واسهم في جعل مهمة الحضارة الغربية أسهل في البناء على العلوم التي قدح زنادها العرب والمسلمون. أما المصطلح الآخر فهو عبارة "ثورة الضباط الأحرار". هذه العبارة ألفناها واستعملناها للدلالة على حدث في حقبة تاريخية معينة. لكن في لقاء في إحدى القنوات الفضائية مع الأمير فؤاد ابن الملك فاروق وعندما سأله المذيع سؤالا ذكر فيه عبارة "ثورة الضباط الأحرار التي أطاحت بالملك". رد الأمير فؤاد غاضبا بأن الإطاحة بالملكية في مصر لم تكن نتيجة ثورة خرج فيها الناس للشوارع وأن ما حدث لم يكن إلا انقلابا عسكريا. اعترف بأنني لم أفكر يوما في دقة عبارة "ثورة الضباط الأحرار"، وان ما قاله الرجل كان صوابا. صحيح ان الناس خرجت للشوارع تهتف بعد الانقلاب، لكن ذلك لا يسوغ استخدام مصطلح ثورة لتوصيف ما حدث. مقالي هذا ليس، على كل حال، مقصود منه بيان أن القرون الوسطى المظلمة ليست بالفعل كذلك ولا أن الثورة ضد الملكية لم تكن في الواقع إلا انقلابا. القصد هو تبيين كم أن بالإمكان أن تستسيغ الأذن كلاما ينافي العقل دون أن يقف المرء للحظة ويفكر فيه. في كلتا الحالتين كانت العبارة المستخدمة مضللة ولا تتواءم مع الواقع التاريخي لكن لأن التاريخ يكتبه المنتصرون تم التصالح مع العبارتين رغم فسادهما. ترى كم مصطلحا مضللا آخر نستخدمه في حياتنا؟.