وقع في يدي منذ فترة كتابان مترجمان من الانجليزية إلى العربية عن كتاب واحد. وقد قامت بترجمتهما خلال نفس الفترة الزمنيّة جهتان معروفتان بجهودهما في نشر المعرفة من خلال ترجمة كتب قيّمة. وهاتان الجهتان هما مركز البابطين للترجمة بالاشتراك مع دار الساقي، وسلسلة عالم المعرفة الشهرية التي يصدرها المجلس الوطني الكويتي للثقافة والفنون. والجهتان، كما هو معروف، تتبعان بلداً واحداً هو دولة الكويت الشقيقة. والكتاب الذي ترجم مرتين هو: Salt: A World History من تأليف مارك كرلانسكي Mark Kurlansky. وقد صدر الكتاب (عام 2005م) عن مركز البابطين تحت عنوان: الملح: تاريخ عالمي؛ وصدر عن عالم المعرفة تحت عنوان: تاريخ الملح في العالم. ولعل سبب ازدواجيّة الترجمة هو أن الكتاب الأصلي صدر في نفس العام ( 2003م) عن دار بينجوين للنشر في نيويورك، كما صدرعن دار فينتيج للنشر. ويبدو ان كل جهة من جهتي الترجمة قد اشترت حقوق الترجمة من دار نشر مختلفة. وقد قام مترجمان مختلفان بترجمة الكتاب في الإصدارين المختلفين، وترجمتهما جيدة وسلسة تشجّع على الانغماس في القراءة، فنحمد الله كثيراً على ارتفاع مستوى الترجمة لدينا واختفاء معظم الأعمال المترجمة الركيكة، وإن كنا لا نزال بحاجة إلى التركيز على المحافظة على الشكل العام للعمل المترجَم. كما أن محتوى الكتاب قيّم وممتع، حيث يتناول باستفاضة كل ما يتعلق بالملح على مرّ العصور، فقد استخدمه الفراعنة في عمليات التحنيط، وأثبت العلم الحديث أن الملح ضروري لصحة وظائف خلايا الجسم. كما اعتبر الملح سلعة تجاريّة مهمّة أثرت، كما يقول الكتاب، على قيام الحضارات وعلى سقوطها حيث اعتبر إلى ما قبل مائة سنة مضت السلعة المنشودة الأولى في تاريخ البشرية. فللملح أكثر من أربعة عشر ألف استخدام! والكتاب زاخر بمعلومات ممتعة عن الملح واستخداماته، وهذا على الأرجح هو سبب اختيار جهتي الترجمة له، ولكن ليس محتوى الكتاب هو الدافع لكتابة هذا المقال. فالدافع يكمن في مجموعة من المشاعر السلبية والإيجابية تجاه غياب التنسيق بين جهود الترجمة والتعريب في عالمنا العربي. ونبدأ بالمشاعر السلبيّة التي نبعت من الاحساس بتبديد الموارد والجهود من خلال الازدواجيّة في ترجمة نفس العمل الضخم الذي عدد صفحاته 467صفحة. وتزداد المرارة بسبب وجود جهتي الترجمة في بلد صغير واحد معروف بنشاطه المعرفي وسعيه المتواصل للرقي بالثقافة، فلو أن نفس الكتاب تُرجِم في الكويت وتُرجِم أيضاً في المغرب لتلمسنا العذر بسبب بُعد المسافة بين البلدين مع أنه ليس لهذا العذر من مبرر في وجود شبكة المعلومات العنكبوتية التي حوّلت العالم إلى قرية صغيرة. كما يترسخ الشعور بالمرارة لأن الجهتين اللتين قامتا بالترجمة لهما باع طويل في الشان الثقافي فهذا الكتاب هو الإصدار رقم 320الذي ترجمته عالم المعرفة. ولابد أن يؤدي طول الممارسة إلى تراكم الخبرة، وبدلاً من ذلك حصلت هذه الازدواجية. ومن المؤكد أن السبب الرئيسي لهذ الخطأ هو غياب التنسيق بين الجهات المعنيّة بالثقافة بوجه عام والترجمة بوجه خاص. أما المشاعر الإيجابية التي نشأت من غياب التنسيق هذا فسببها وجود ترجمتين لعمل واحد، وهاتان الترجمتان توفران فرصة ذهبية لأساتذة الترجمة ولكل مهتم بها لملاحظة الاختلافات في قضايا مهمّة في الترجمة كاختلاف أساليب الترجمة ومدى الأمانة العلمية في النقل عن النص الأصلي ومدى دقّة تعريب التعابير والمصطلحات التي تحتاج إلى تعريب الخ. وهناك أمور كثيرة تندرج تحت الأمانة العلمية في النقل فقد أوردت نسخة مركز البابطين والساقي صفحة الإهداء وصفحة الشكر كما حافظت على إيراد الرسم الانجليزي للأسماء بينما تجاهلت نسخة عالم المعرفة كل هذه الأمور. وتعتبر المحافظة على روح وشخصية الكتاب الأصلي إحدى أعمدة الأمانة العلمية في النقل، فمن المفترض أن يقوم من يشتري حقوق ترجمة كتاب ما بالمحافظة، ما أمكن، على روح الكتاب من خلال استعمال نفس تصميم غلافه بألوانه وحجمه والمعلومات التي على غلافيه الأمامي والخلفي. وفي حالة كتاب الملح هذا لم تحافظ أي من الجهتين لا على تصميم الغلاف وألوانه ولا على حجم الكتاب الأصلي وما على غلافيه من معلومات. ولا أدري لماذا تجاهلت الترجمتان عبارة وردت على الغلاف الخلفي للكتاب الأصلي وهي: "الملح هو الحجر الوحيد الذي يتناوله الإنسان،" وهي عبارة مشوقة تجذب القاريء إلى معرفة المزيد عن هذا الحجر. كما اختلفت النسختان في تعريب اسم مؤلف الكتاب Mark Kurlansky حيث ورد في نسخة مركز البابطين: مارك كورلانسكي، وفي نسخة عالم المعرفة مارك كيرلانسكي. والأفضل منهما هو مارك كُرءلانسكي، أي الوصول للنطق الصحيح للإسم عن طريق استخدام الحركات لا الأحرف! وكل هذه الاختلافات بين الترجمتين سببها غياب الاتفاق على ضوابط واضحة يجري تعميمها والتشديد على العمل بها في العالم العربي عند أي ترجمة.