لم تكن الرحلة بالسيارة من جنوب المملكة الى سلطنة عمان مرورا باليمن بالشيء السهل فهناك حوالي 1800كم من نجران الى صلالة عاصمة ولاية ظفار العمانية الواقعة بالجنوب بالقرب من حدود عمان باليمن حيث استغرقت الرحلة الى هناك يومين انطلقنا من مدينة نجران مساء السبت تمام الساعة العاشرة مساء وكان المبيت بمحافظة شرورة تمام الساعة الواحدة ليلاً وفي صباح اليوم التالي كانت وجهتنا الى صلالة عبر الأراضي اليمنية (طريق الوديعة - اليمن) وعند دخول وقت صلاة الظهر تمت تأدية الصلاة وتناول الغداء بمحافظة حضرموت اليمنية وفي الطريق كانت مناظر البيوت الطينية التي شيدت بواسطة السواعد اليمنية شيئاً ملفتاً للنظر حيث تظهر روعة البناء المعماري الاصيل بالاضافة الى ماشاهدناه من حقول زراعية تبهر الزائرين الى هذه المحافظة حيث تنتشر حقول البرسيم والذرة والبر والنخيل على ضفاف وادي حضرموت خرجنا من هذا الوادي الجميل الى منطقة مرتفعة ثمود ورغم هذا الارتفاع عن مستوى سطح الارض إلا انها كانت شديدة الحرارة وكانت خالية من السكان وخالية حتى من النباتات استمرت رحلتنا خلالها حوالي ثلاث ساعات قطعنا فيها (300كم) حتى وصلنا الى بعض المنازل القليلة المتناثرة على جانب الطريق وهناك تظهر لنا إحدى اللوحات الارشادية التي تشير الى اقرب قرية الينا وهي قرية (ريماه) اليمنية وصلناها تمام الساعة الخامسة والنصف عصرا وتم التزود بالوقود لنواصل رحلتنا على طريق تكثر به الجمال السائبة والزوابع الرملية مما جعلنا نسير ببطء وحذر شديد على هذا الطريق وفي تمام الساعة الثامنة مساء وصلنا الى مركز شحن اليمني مع حدود سلطنة عمان ومن هناك ودعنا الاراضي اليمنية لننتقل الى المركز الحدودي الآخر لسلطنة عمان وهو مركز المزيونة. دخلنا الأراضي العمانية الساعة التاسعة من مساء اليوم نفسه الذي خرجنا فيه من محافظة شرورة السعودية وكان قد بلغ بنا الارهاق مابلغ والاعياء الشديد وفي المزيونة العمانية تم استئجار فندق للمبيت هناك ومع صباح اليوم التالي (الاثنين) اتجهنا الى مدينة ثمريت العمانية على الطريق الرابط بين صلالة ومسقط العاصمة العمانية وصلنا صلالة تمام الساعة الثالثة عصراً حيث استقبلنا النسيم البارد ورذاذ المطر ومناظر خلابة خضراء والحقيقة أننا نسمع عن صلالة لكننا لم نشاهدها على الطبيعة فكانت غير ماسمعت وغير ماقرأت حيث المروج الخضراء التي تكسي جبال صلالة والشمس التي لم نشاهدها طيلة خمسة ايام الا في اليوم الخامس لمدة لا تتجاوز ساعتين في صلالة وجدنا كل شيء مختلف فالرجل العماني صاحب كرم عظيم وحب شديد لاخوانه الخليجيين و السعوديين بصفة خاصة يلفت نظر الزائر الى صلالة الاهتمام بنظافة الشوارع والميادين والمتنزهات العامة وبعد ان تم استئجار شقة هناك لمدة اسبوع اتجهنا في الصباح الباكر في ثاني يوم نصل فيه صلالة الى مكان يعرف باسم (إيتين) فهو جبل اخضر مرتفع يتزايد فيه الضباب والسيارات تسير ببطء نتيجة الضباب والرذاذ الذي يحجب الرؤية توقفنا امام مسجد في جبل صغير وبجانبه قبر يعرفه الناس بأنه قبر النبي ايوب رغم وجود قبر آخر للنبي ايوب في الاردن.. ولكن اهل المنطقة يؤكدون ان هذا هو القبر الحقيقي وان الله سبحانه وتعالى رزق ايوب عليه السلام بهذا المكان وهذه الثروة الطبيعية الساحرة مكافأة له على صبره المعروف تاريخياً . غادرنا هذا المكان الى مكان آخر يعرف باسم (عين جرزير) حيث تنبثق مياه عذبة من داخل الصخور المكتسية بالاعشاب الخضراء وحولها تجمع المئات من السياح العرب والأجانب لالتقاط الصور التذكارية وكانت هناك مسميات اخرى تسمى (عين حمران) (وعين رزات) وكلها مواقع طبيعية . عدنا بعدها الى المكان الذي نقيم فيه داخل مدينة صلالة وفي المساء قمنا بزيارة المهرجان الذي بات يشكل نقطة جذب قوية للزوار حيث متعة التسوق والفنون الشعبية والبضائع العمانية ومشاهدة بعض اعمال الحرف اليدوية هناك في الوقت الذي تبذل الاذاعة العمانية والتلفزيون جهودا كبيرة في نقل وقائع هذا المهرجان وحفلاته الفنية على الهواء مباشرة وتحرص على إجراء اللقاءات مع زوار المهرجان استوقفنا بعض المواطنين هناك وسألناهم عن بقية الاماكن السياحية والآثار التاريخية وبمجرد معرفتهم مقر سكننا في وسط صلالة قالوا يوجد بالقرب من مقر سكنكم ضريح النبي عمران..وآثار أقدام ناقة صالح.. وقبل الوداع من صلالة حرصنا على الاستمتاع بمشاهدة البحر وبعض الاماكن السياحية الأخرى فخرجنا في احد الايام الى مكان يعرف باسم (المغيسيل) وهو مكان على شاطيء البحر الهائج الذي لاتهدأ أمواجه صعدنا الى الجبل الاخضر بجانب البحر على ممرات خشبية حيث شاهدنا صخرة عالية تطل على البحر ومنحوتة تماما بفعل عوامل التعرية وفيها مايعرف باسم الغار الواسع حيث أصبح استراحة للزوار يتناولون داخله القهوة والشاي والحلوى العمانية وفي اسفل هذا الغار سلسة جبلية تضربها الامواج الهائلة فتندفع المياه من الثقوب المنحوتة في الصخر الى اعلى لتأخذ شكل نافورة طبيعية وهبها الله لزوار صلالة . غادرنا المكان وتوقفنا بجانب لوحة إرشادية لهيئة السياحة كتب عليها عبارة "لا تأخذ شيئاً من هذا المكان غير الذكريات الجميلة" وبالفعل كانت ذكريات جميلة وانطباعاً عن صلالة بانها مدينة هادئة وآمنة ومثيرة، وجميلة بأهلها شعب عمان الشقيق.