في أغسطس الماضي كتبتُ مقالاً بعنوان "حين تنام الحياة لملايين السنين" تحدثت فيه عن اكتشاف بكتيريا قطبية يتجاوز عمرها الثمانية ملايين عام.. وقلت حينها إن العمر بحد ذاته ليس غريبا (كون عمر الأرض يتجاوز ذلك بعدة أضعاف) ولكن الغريب أن البكتيريا عادت للحياة والنمو (حين شعرت بالدفء) بعد هذا العمر الطويل.. ليس هذا فحسب بل اتضح أنها تتمتع بشفرة وراثية سليمة (أو حمض وراثي خء ) يمكن استخراجه واستنساخه ومضاعفته لعدة مرات...!! ومثل هذا الاكتشاف جعل العلماء يتساءلون الى أي حد يمكن تصبير الحياة (تحت درجة الصفر) وإلى أي عمر يمكن أن تظل المورثات سليمة وقابلة للاستنساخ مجددا!؟ .. فعيش البكتيريا لهذه الفترة الطويلة يصب لصالح القائلين بإمكانية تصبير الحياة (وتأجيلها) تحت درجة التجمد.. أما استخراج الشفرة الوراثية (بعد ثمانية ملايين عام) فيعني إمكانية استنساخ المخلوقات المنقرضة في حال سلامة شفراتها الوراثية المستخرجة (كما رأينا في فيلم الحديقة الجيوراسية)!! ... وقدرة التجميد على إطالة أمد الحياة أمر تم التأكد منه منذ ثلاثينيات القرن العشرين.. فبالإضافة الى استعادة البكتيريا الهاجعة (تحت الجليد) هناك الخلايا الجنينية التي تعود للعمل مجدداً حين ترتفع حرارتها إلى 37مئوية.. أضف لهذا أن قلوب الحيوانات المجمدة تعود للخفقان - والأعضاء المقطوعة تعود للعمل - بعد إعادة الدفء إليها بشرط عدم وصول العضو المجلد لمرحلة الموت النهائي.. ورغم قناعتي الشخصية بوجود فرق بين إمكانية إطالة الحياة واستحالة خلقها من العدم إلا أن هناك من يؤمن بإمكانية إعادة الحياة (للجسم البشري كاملا) بعد تجميده لقرنين أو ثلاثة. ولتلبية هذه الرغبة ظهرت شركات متخصصة لتجميد البشر - بعد الوفاة مباشرة أو أثناء الاحتضار - في أمريكا وأوربا واليابان (وحسب القانون الفرنسي يجب أن تتم عملية التجليد بين الموت العيادة والموت النهائي بعد 15ثانية من توقف القلب حيث يستبدل الدم بمادة حافظه ويغمس الجسد بالتدريج في النيتروجين السائل)! ... أما الشق الثاني من الاكتشاف (وهو سلامة الحمض الوراثي في البكتيريا المتجمدة) فيعني إمكانية استعادة أي مخلوق منقرض في حال العثور على ما يكفي من حمضه الوراثي النشط.. وهذه الفكرة تستقطب اليوم (رغم الجانب الخيالي فيها) جهود العلماء في جامعات ودول كثيرة حول العالم؛ فمتحف سيدني للأحياء مثلا يحاول منذ التسعينيات استنساخ النمر التاسماني المنقرض وقبل فترة بسيطة وزعت وكالات الأنباء صورا لبقرتين تم استنساخهما في البرازيل من احد الأنواع المنقرضة (حديثا) أطلق عليهما اسما "بورا" و"بوتيرا".. أما في الهند فيحاول العلماء استعادة "الفهد الإيراني" من خلال استخلاص الأحماض الوراثية الموجودة في عظامه (التي ماتزال متداولة في الهند وإيران لأغراض طبية مختلفة)! ... ما يدهشني بحق هو سرعة انتقال هذه الفكرة من عالم الأدب والخيال إلى حيز التطبيق والواقع.. فقبل سنوات قليلة فقط كنا نشاهد فيلم "الحديقة الجيوراسية" ونعتبره من قبيل الخيال العلمي؛ واليوم أصبحنا نسمع عن استنساخ حيوانات كثيرة حية (بدأت بالنعجة دوللي) ولن تنتهي قبل استنساخ الماموث أو الديناصور من خلال شفرات وراثية هاجعة!!