علماء الأحياء كانوا على ثقة دائما من إمكانية إعادة النشاط الحيوي لأي خلية يبلغ عمرها ملايين السنين - كبيض الديناصور مثلا - طالما بقيت شفراتها الوراثية سليمة.. ولكن هذا الأمر ظل حلما وأفكارا نظرية حتى أتيح للبروفيسور نيلون هيرستون تنفيذ ذلك لأول مرة على بيضة الكوبيبود (وهو حيوان من قشريات يعيش في الأنهار والبحيرات).. ففي أغسطس 1990 عثر فريق من جامعة كورنيل على بيضة يعود عمرها للقرن السابع عشر في قاع بحيرة بولهيد الامريكية.. وهذه البيضة بالذات مرت بظروف استثنائية منعتها من التفقيس في حينها وبقيت في أدراج المعامل حتى تمكن العلماء من تفقيسها بعد هجوع استمر لأكثر من ثلاث مئة عام!! وحلم العلماء بالعودة لتفقيس الماضي لا تقتصر على بيض الكيبيبود فقط، بل هناك - كما يعرف معظمنا - الاحافير - وكما لا يعرف معظمنا - الكهرمان.. والكهرمان هو ما ندعوه أحيانا عنبر الأشجار وهو سائل كثيف لزج ذهبي اللون تفرزه الأشجار لحماية نفسها أو علاج الثغرات والخدوش.. فأشجار الصنوبر التي كانت تعيش في زمن الديناصورات كانت تفرزه "لمعالجة" نفسها وسد الفراغات التي تحدثها الحشرات في جذعها. وبمرور الوقت كانت تتم سلسلة من عمليات التحول والتصلب تنتهي أخيرا الى "كهرمان" صلب زجاجي لا ينفذ منه الماء او الهواء.. وكثيرا ما كان الكهرمان يسيل ويحيط من كل جانب بحشرة او نبتة انقرضت قبل ملايين السنين ويتصلب حولها محتفظا بكامل أعضائها سليمة وواضحة.. ولأن ليس كل الكهرمان من هذه النوعية (التي تجمدت حول كائن عتيق) يعد الكهرمان الذي يضم أثرا من هذا النوع قطعة ثمينة علميا وماديا وفنيا أيضا!! وفي عصرنا الحاضر لا شيء يعادل الكهرمان "المحنط" لدى علماء الأحياء؛ فبخلاف الاحافير التي عادة ما تكون مجرد انطباعات صخرية او بقايا ناقصة يحتفظ الكهرمان بالنماذج سليمة وكاملة ويمكن رؤيتها من كل اتجاه. واكبر مجموعة من هذا النوع اجتمعت في معرض أقامه متحف التاريخ الطبيعي في نيويورك عام 1997 تحت عنوان "الكهرمان نافذة على الماضي".. وقد احتوى على 146 قطعة نادرة ضمت بداخلها حشرات وبذورا وأوراقا وعقارب وثلاث زهرات يعود عمرها الى 90 مليون سنة. وكما تحقق حلم العلماء بتفقيس بيضة الكوبيبود هناك حلم بتفقيس او اعادة إنشاء نمط من الحياة القديمة التي قد توجد بداخل احد أحجار الكهرمان! والفكرة صحيحة نظريا ولا شيء يحول دون تنفيذها سوى العثور على الحجر المناسب (فتنشيط الفعل الحيوي داخل بيضة او من خلال الشفرات الوراثية أمر مجرب ويمكن تشبيهه بإعادة إنماء بذور صحراوية او حبوب قديمة).. وحتى يحين موعد تطبيقه فعلا نجحت السينما في إخراجه للناس في عدة أفلام خيالية.. ففي فيلم الحديقة الجيروسية مثلا من إخراج ستيفن ستيلبرج رأينا كيف نجح احد علماء الاحياء في تفريخ الديناصورات بواسطة شفرات وراثية لها حفظت بداخل الكهرمان. وتفترض الرواية ان بعوضة قديمة لدغت احد الديناصورات وابتلعت قليلا من دمه الذي يحتوي على جيناته الوراثية (او ال DNA) ثم حفظت هذه البعوضة داخل كهرمان عتيق تصلب حتى عصرنا الحاضر. وباستخراج الشفرات الوراثية للديناصور من البعوضة (ثم حقنها في بيضة طائر حي) أمكن تفقيس ديناصور جديد تام البنية!! وقد تتساءل مثلي: ولماذا تم اقحام البعوضة في السيناريو!؟ (الله وأعلم) لأن أحلامنا لم تصل بعد حد اكتشاف ديناصور كامل داخل قطعة كهرمان!! وقبل أن أنسى.. إن أردت رؤية التاريخ متجمدا (حول مخلوق منقرض) فما عليك سوى الذهاب لجوجل وادخال هاتين الكلمتين (in amber).