تعقيباً على مقال الأستاذ ممدوح المهيني المنشور في صحيفتكم الغرّاء بتاريخ 15جمادى الآخر 1429ه، أقول وبالله التوفيق ما ذهب إليه الكاتب في مقاله عن استبعاد نظرية المؤامرة على الشباب الإسلامي فهو أمر مخالفٌ للواقع ولا يتقبله عقل، فالمؤامرة موجودة وما قول سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية إلا دليل واضح على ذلك عندما قال: نحن مستهدفون. كل يوم يمر علينا لا تكاد تخلو صحفنا اليومية وخاصة صحيفة (الرياض) "الصحيفة الأولى بلا منازع" من أخبار جنودنا البواسل، وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في إحباط عمليات ترويج المخدرات والخمور وأوكار الدعارة والقبض على مروجيها، وهذا بفضل الله ورحمته أن قيض لنا أعيناً ساهرة ترعانا بعد رعاية الله، وما هذه المحاولات إلا مؤامرة صريحة من أعداء الأمة الإسلامية عامة والمملكة العربية السعودية خاصة في تدمير شبابها وفتياتها الذين هم عماد هذا البلد وسبيل نهضته والقيام به. ما تحدث عنه الكاتب وخاصة عن الأناشيد الإسلامية، وكونها مؤشرا يربي النشئ على حب الكراهية وتأصيل هذا المبدأ في نفوسهم فاسمح لي أن أقول لك: هل تأصل مبدأ الكراهية ونبذ الآخر في نفسيتك وهل أثرت عليك في طباعك، طبعاً لا،إذاً لماذا تبنيت هذه النظرية بداخلك؟ نحن نكره السياسات الغربية التي تآمرت على الدول العربية والإسلامية، وما كذبة حرب العراق وإخراج أسلحة الدمار الشامل إلا إحدى هذه المؤامرات المبطنة، باسم العدل والسلام. كثيرون منا استمعوا إلى أنشودة مؤامرة وغيرها من الأناشيد مثل "سنخوض معاركنا معهم،، وسنمضي جنوداً نردعهم، ونعيد الحق المغتصب،، وبكل القوة نردعهم" ومع ذلك لم تؤثر في نفوس الأكثرية منا، ليس فقط الأناشيد فهناك كذلك آيات قرآنية كقوله تعالى: ((محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم)) وليس المقصود في هذه الآية سوى الشدة على المحاربين من الكفار في أوقات الحروب، وإلا لو كان كلامك صحيحاً لما رأيت بشراً غير مسلم يعيش بيننا. لن ننسى جنودنا البواسل إبان حرب الخليج وهم يرددون هذه الأنشودة وغيرها ك قصيدة الشاعر محمد بن عبدالله الفيصل "هبت هبوب الجنة، وين أنت يا باغيها، عدونا خاب ظنه،وبالروح نفديها" هذه الكلمات لا يزال يتغنى بها الكثير من الشباب إلى يومنا الحاضر، ومع ذلك لم نر ما تحدث عنه الكاتب، بل هي كلمات بعثت الحماس في قلوب شجعاننا في تلك الأيام كما كانت تبعث الأناشيد حماساً في قلوب إخواننا الفلسطينيين، فلو نظرنا إلى مؤلفي أغلب الأناشيد الحماسية القديمة، لوجدناهم شعراء من الشام. لعلي أطرح تساؤلاً هاماً؟ ماذا قدمت الفضائيات لجيلنا الحالي؟ لعل ما يعرض في الفضائيات من برامج تربوية وفكرية وثقافية، ومسلسلات اجتماعية هادفة وأفلام وثائقية متنوعة لا تكاد تقارن بما يعرض من قنوات للغناء الماجن الهابط وليس الطرب الأصيل العفيف، ومن مسلسلات وأفلام تخدش الحياء وللأسف بعضها قنوات للأطفال، فكيف يتربى الطفل على هذه المشاهد الخارجة عن إطار الذوق العام، وهل هذه القنوات محور بناء أو معول هدم؟ كذلك انتشار وبكثرة أشرطة (video game) أو ألعاب البلايستيشن وغيرها وما تكرسه من ثقافة العنف وحب نزف الدماء، وكل ما سبق مؤشرات تدل على أن هناك مؤامرة محاكة لهدم أخلاق الشباب والشابات والأطفال كذلك. عندما تنظر إلى مطرب معين يتراقصن من حوله فتيات مثيرات "وهذا قمة التسلط الذكوري" مخصصات فقط لجذب المشاهد بإغرائه بحركات تنبذها جميع الأديان، بما فيها الدين المسيحي "وتأمل في تاريخ أوروبا في القرون الوسطى تجد أن النساء الأوروبيات النبيلات يحافظن على اللباس الطويل الواسع، وهذا من آداب احترام الذوق العام آنذاك" وعندما يرى الشاب مثل هذه القنوات وهذه المناظر المقززة ويتعود على رؤيتها، يتأصل في داخله أن الفتيات مخصصات فقط للإغراء، وقد يتعدى هذا التأصل إلى تعميم كل فتاة بهذه الصفة، فلا غرابة ولا عجب عندما قل احترام كثير من شبابنا تجاه فتياتنا واعتبارهن أجسداً مخصصة لممارسة الجنس، ونسي تماماً أن الفتيات هن نصف المجتمع، وبالترابط يكمل المرء نصف دينه. تحدث الكاتب في مقاله عن صفات مهمة دعا إليها ربنا عز وجل في قرآنه الكريم أكثر من تسع مئة مرة وهي "التسامح والعفو والرحمة والمغفرة والرأفة والصبر" وذكر هذه الصفات ماهي إلا دعوة للإنسان بالاتصاف "والأمر" بها كقوله تعالى: ((وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم)) فهل يوجد كتابُ دين أو تربية في أي ثقافة (غير الإسلام) يعطي مساحة للصفات المذكورة في سعة المساحة التي أعطاها القرآن؟ أو هل يوجد دين أو ثقافة غير الإسلام أعطى عناية مثل هذه العناية في التربية على التسامح؟ أشرت في النقطة السابقة عن القرآن وما أورده من صفات جليلة كما لا يفوتني أن أتكلم عن سيد البشرية محمد صلى الله عليه وسلم في صفاته وأخلاقه وفنون تعامله مع الناس كافة، تقول المستشرقة الإيطالية Laura Veccia Vaglieri في وصف النبي: (لقد امتزج فيه التسامح والعدل الخصلتان الأكثر نبلاً في الإنسان). ومن السهل أن نورد على هذا أمثلة كثيرةً من سيرته، اكتفي بقصته مع أهل الطائف حين طردوه وأخرجوه فجاءه جبريل ومعه ملك الجبال يستأمره في أن يطبق على أهلها الأخشبين، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبده وحده ولا يشرك به).