يعد اجتماع جدة للطاقة الذي دعا إليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز دليلا جديدا على السياسة الحكيمة التي تتبعها المملكة تجاه دول العالم، فرغم أن تواصل ارتفاع أسعار البترول يصب في مصلحتها ومصالح الدول المنتجة ويعوضها السنين العجاف التي عاشتها في التسعينات الميلادية، إلا أنها ليست من الدول التي تقدم مصالحها على مصالح الغير، وليست من الدول التي تصعد فوق أكتاف الآخرين كما هي سياسة معظم الدول الكبرى التي تؤمن بمبدأ (ليس لدينا أصدقاء دائمون؛ ولكن لدينا مصالح دائمة). إن المملكة تدرك تماما الدور العالمي الذي تلعبه كأكبر منتج للنفط، الذي يدخل - بدوره - في جميع الصناعات والمنتجات التي نقلت العالم إلى ما هو عليه الآن؛ لكنها في المقابل تلتزم بمبادئها ومثلها التي تستمدها من شريعة الإسلام السمحاء الداعية إلى العدل والمساواة وعدم استغلال الآخرين، مهما كان ذلك الآخر. إن إجتماع جدة اليوم سينقل الكرة إلى ملعب المستهلكين أنفسهم ليثبت للعالم أن الخلل ليس في الدول المنتجة وأن إمدادات السوق كافية وأن المنتجين يؤدون ما عليهم وأكثر وأن بوصلة الاتهام يجب أن تتجه إلى أماكن أخرى، مثل الوسطاء وهوامير البورصات وصناديق الاستثمار حول العالم، خاصة في الدول المستهلكة. لقد تعودت المملكة أن تقابل الإساءة بالإحسان في الكثير من المواقف والقضايا، وهذه إحداها، ليس بسبب ضعفها وعجزها عن الرد بالمثل؛ ولكنها الثقة بالنفس والترفع عن سفاسف الأمور والنظر إلى مصالح الآخرين الذين لا علاقة لهم بإعلام أو سياسة، فالمواطنون من البسطاء والطبقة الكادحة في كل بلد لا علاقة لهم بالأجندات السياسية والإعلامية. أعتقد جازما لو كان النفط بيد دولة من تلك الدول التي تدعو إلى حقوق الانسان ومكافحة الفقر لمَ فعلت ما فعلته وتفعله السعودية تجاه هذا الارتفاع في الأسعار، بحجة أن السوق هو من يحدد السعر وليست المبادئ والأخلاق، وأن الاقتصاد الحر هو الفيصل في هذه المسألة وليس الإنسان، وأن المصلحة الخاصة هي المقرر، بغض النظر عن من يزداد فقرا حد الموت ومن يزداد غنى حد الفحش. السعودية بحق تستحق أن تكون "مملكة الإنسانية ". @ محرر بمكتب جدة