* ومن الخطوات: * ضرب النساء لا يتفق مع المنزلة السامية للزواج في الكتاب والسنة: مما تقدم يعلم أن ضرب النساء منهي عنه، وكونه مأذوناً فيه للأزواج أمر مختلف فيه بين أهل العلم، ومن أباحه فسره بما لا يمكن عده ضرباً في مفهوم الناس اليوم وهو الضرب بالسواك ونحوه على أن الضرب الذي يعني الإهانة والإذلال بالركل والصفع والإيذاء لا يتفق مع العلاقة الحميمة الفريدة والمتميزة التي اراد الله ان تكون بين الأزواج كما في قوله تعالى (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) الروم 21، وما اشتملت عليه من السكون إليها والمودة والرحمة، وبما جاء في قوله تعالى: (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) البقرة 187، وبما جاء في وصف عقد الزواج بالميثاق الغليظ، (وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً) النساء(21). فكيف يتناسب أسلوب الضرب مع قوة العلاقة وشدة الصلة والروابط المتميزة بين الزوجين مع الحديث عن الضرب العنيف والاعتداء الجسيم، فلابد إذن أن يكون للضرب الوارد في الآية له معنى آخر وهو ما نبينه فيما يأتي: المراد بالضرب عند فريق من الباحثين: ذهب بعض الكتاب إلى أن المقصود بالضرب في الآية (34) من سورة النساء (مفارقة الرجل بيت الزوجية مدة معينة)، ومأخذ هذا القول أمران: الأول: أن الضرب قد ورد في القرآن الكريم في مواضع كثيرة، وإذا تتبعناها وجدناها (52) موضعاً، منها (42) موضعاً الضرب فيها بمعنى الترك والمفارقة والاعتزال ومعاني أخرى ليس منها الضرب المعروف عند عامة الناس، فيحمل معنى الضرب في آية سورة النساء على هذا المعنى الغالب الشائع للضرب في القرآن، منها: قال تعالى في سورة البقرة: (إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها) الآية: 26، وقوله تعالى: (للفقراء الذين احصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف) 273، وقوله تعالى في سورة النساء: (ياأيها الذين امنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا) 94، وقوله تعالى: (وإذا ضربتم ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) 101، وقوله تعالى في سورة الرعد: (كذلك يضرب الله الأمثال) 17، وقوله تعالى في سورة إبراهيم: (ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة) 24، وقوله تعالى: (ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون) 25، وقوله تعالى: (وضربنا لكم الأمثال) 45، وقال تعالى في سورة النحل: (فلا تضربوا لله الأمثال) الآية 74، (ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً) الآية 75، (وضرب الله مثلا رجلين) الآية 76، (وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة) 112.وقال تعالى في الإسراء: (انظر كيف ضربوا لك الأمثال) الآية 48.وقال تعالى في سورة الكهف (فضربنا على اذانهم في الكهف) الآية 11، وقال تعالى: (واضرب لهم مثلاً رجلين) الآية 32، وقال تعالى: (واضرب لهم مثل الحياة الدنيا) الآية 45.وقال تعالى في سورة طه: (فاضرب لهم طريقاً في البحر) 77، وقال تعالى في سورة الحج: (ياأيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له) الآية 73، وقال تعالى في سورة النور: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن.. ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين.. ) الآية 31، وقال تعالى: (وكلاً ضربنا له الأمثال) الآية 39، وقال تعالى في سورة العنكبوت: (وتلك الأمثال نضربها للناس) الآية 43، وقال تعالى في سورة الروم: (ضرب لكم مثلاً من أنفسكم) الآية 28، وقال تعالى في سورة يس: (وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه) الآية 78، وقال تعالى في سورة الزمر: (ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل) الآية 27، وقال تعالى: (ضرب الله مثلاً رجلا فيه شركاء) الآية 29، وقال تعالى في سورة الزخرف: (وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلاً) الآية 17، وقال تعالى في سورة الحشر: (وتلك الأمثال نضربها للناس) الآية 21، وقال تعالى في سورة التحريم: (ضرب الله مثلا للذين كفروا..) الآية 10، وقال تعالى: (وضرب الله مثلاً للذين آمنوا) الآية 11.الأمر الثاني: إن هذا المعنى للضرب تؤيده سنة النبي صلى الله عليه وسلم العملية حينما اعتزل نساءه عندما طالبنه بما لا قدره له عليه من النفقة فهجر بيته وأقام في مشربة - وهي الغرفة المرتفعة - شهراً كاملاً حتى نزلت آية التخيير 28- 29سورة الأحزاب. وبناء على ما تقدم يمكننا القول بأن ضرب المرأة بالمفهوم الذي يفعله بعض الجهلة من الرجال الإسلام منه براء، ولا يمكن أن يكون مما تبيحه الشريعة، ويتعين منعه والمعاقبة على فعله. قال العلامة الطاهر بن عاشور - رحمه الله -: "يجوز لولاة الأمور إذا علموا أن الأزواج لا يحسنون وضع العقوبات الشرعية مواضعها ولا الوقوف عند حدودها أن يضربوا على أيديهم استعمال هذه العقوبة، ويعلنوا لهم أن من ضرب امرأته عوقب؛ كيلا يتفاقم أمر الإضرار بين الأزواج لا سيما عند ضعف الوازع الديني". "وعلى أية حال فقد جعل لهذه الاجراءات حد تقف عنده متى تحققت الغاية عند مرحلة من مراحل هذه الإجراءات فلا تتجاوز إلى ما وراءها فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً فعند تحقق الغاية تقف الوسيلة مما يدل على أن المراد بالغاية الطاعة هي المقصودة وهي طاعة الاستجابة لا طاعة الإرغام فهذه ليست طاعة تصلح لقيام مؤسسة الأسرة قاعدة الجماعة ويشير النصر إلى أن المضي في هذه الإجراءات بعد تحقق الطاعة بغي وتحكم وتجاوز فلا تبغوا عليهم سبيلاً". فإذا استجابت المرأة للنصح وعادت إلى امتثال أمر ربها وطاعة زوجها، تعين على الزوج التمسك بها والمحافظة عليها وإيفاءها حقوقها، وامتنع عليه الطلاق إذ إن الطلاق مع استقامة الأحوال يعد جناية على المرأة وظلم لها وإجحافاً بحقها وعدوناً عليها، قال الله تعالى: (فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيراً) وعندما استأذن أبو أيوب رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم في طلاق أم أيوب، قال عليه السلام: إن في طلاق أم أيوب حوبا - أي إثما - وجاء رجل إلى الخليفة الراشد عمر رضي الله عنه فقال إني أريد أن أطلق امرأتي فسأل الخليفة رضي الله عنه مستنكراً ومستغرباً لم؟ فقال الرجل: لأني لا أحبها، فقال الخليفة رضي الله عنه: ويحك أفاكل والبيوت تبنى على الحب فحسب أين التحمل أين الحياء أين المروءة واين الوفاء؟ إن الإنسان ينبغي ان يكون في هذا تقياً) وفوق ذلك كله قول الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيمتوهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً). الآية 19من سورة النساء. فأمر الله جل وعلا الرجال بأن يتهموا أنفسهم متى ضاقت صدورهم من نسائهم بأن ما وقع في نفسه من الكره فقد يكون في المرأة خير كثير من إنجاب ولد صالح، وطاعة الزوج، ورعاية المنزل، والوفاء بحقوق الزوجية، على أن وسائل العلاج السابقة ليست نهاية المطاف. فهنا وسيلة خامسة وهي إسناد الأمر إلى محكمين من أهل الزوج ومن أهل الزوجة تتوافر فيهم صفات الحنكة والحكمة والعقل والفهم وإدراك المصلحة، وذلك للنظر فيما وقع من الخلاف بين الزوجين، مع بذل الجهد في رأب الصدع وجبر الكسر ومداواة الجراح وإصلاح العلاقة وإعادة المياه إلى مجاريها، وتلمس أسباب الخلاف وللتعرف على مصدر الخطأ والخلل: وإذا صح من الحكمين الرغبة في الإصلاح وعلاج المشكلات فقد ينتهي الأمر إلى الوفاق والتصافي قال تعالى: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليماً خبيراً) النساء 35.وهكذا لا يدعو المنهج الإسلامي إلى الاستسلام لبوادر النشوز والكراهية؛ ولا إلى المسارعة بفصم عقدة النكاح وتحطيم الأسرة على رؤوس من فيها من الكبار والصغار الذين لا ذنب لهم ولا يد ولا حيلة، فالأسرة عزيزة على الإسلام بقدر خطورتها في بناء المجتمع وفي إمداده بالعناصر الجديدة اللازمة لنموه ورقيه وامتداده، إنه يلجأ إلى هذه الوسيلة الأخيرة عند خوف الشقاق فيبادر قبل وقوع الشقاق فعلاً يبعث حكم من أهلها ترتضيه وحكم من أهله يرتضيه يجتمعان في هدوء بعيدين عن الانفعالات النفسية والرواسب الشعورية والملابسات المعيشية التي كدرت صفو العلاقات بين الزوجين، من هذه المؤثرات التي تفسد جو الحياة وتعقد الأمور وتبدو لقربها من نفسي الزوجين كبيرة تغطي على كل العوامل الطيبة الأخرى في حياتهما، حريصين على سمعة الأسرتين، مشفقين على الأطفال الصغار، بريئين من الرغبة في غلبة أحدهما على الآخر كما قد يكون الحال مع الزوجين في هذه الظروف، راغبين في خير الزوجين وأطفالهما وأسرتهم المهددة بالدمار، وفي الوقت ذاته هما مؤتمنان على أسرار الزوجين؛ لأنهما من أهلهما لا خوف من تشهيرهما بهذه الأسرار؛ إذ لا مصلحة لهما في التشهير بها، بل مصلحتهما في دفنها ومداراتها، يجتمع الحكمان لتحقيق الإصلاح فإن كان في نفسي الزوجين رغبة حقيقية في الإصلاح وكان الغضب فقط هو الذي يحجب هذه الرغبة فإنه بمساعدة الرغبة القوية في نفس الحكمين يقدر الله الصلاح بينهما والتوفيق إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما). الإمام ابن تيمية - رضي الله عنه - يقول: "فإن رأى الحكمان المصلحة أن يجمعا بين الزوجين جمعا، وإن رأيا المصلحة أن يفرقا بينهما فرّقا: إما بعوض تبذله المرأة فتكون الفرقة خلعاً إن كانت هي الظالمة، وإن كان الزوج هو الظالم فرّق بينهما بغير اختياره". النهاية لعلاج المشكلة: إذا استحكم الخلاف واستشرى النزاع وتعذر التصافي والوفاق وأصبح الزواج جحيماً لا يطاق جاء تطبيق قوله تعالى (وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته وكان الله واسعاً حكيماً) سورة النساء.