اطلعت على ما نُشر في جريدة "الرياض" في العدد (14334) والعدد (14375) وما كتبه بعض الكُتَّاب دفاعاً عن البيئة والإنسان في مدينة تنومة، مطالبين بإلغاء امتياز التعدين المعطى في قلب وخاصرة أهالي تلك المدينة الجميلة الوادعة بمنطقة عسير (جبل الصفحة وما جاورها) لشركة أهلية أُعطيت الامتياز بناءً على معلومات خاطئة. وأنا أحيي الغيارى على البيئة، وعلى حق المواطن في الحياة الآمنة، النقية، وأضم صوتي إلى أصواتهم وأقول الآتي: أولاً: هل نحن أمام مرحلة أو عصر الانقراض البيئي؟ باعتبار الغابات هي الأم لجميع الأحياء الأخرى، وهي حجر الزاوية في التوازن البيئي؟ ولماذا دائماً حلولنا علاجية؟ أين الحلول الوقائية والاستباقية؟ وهل ضاقت الأرض بما رحُبت؟ فسعت هذه الشركة ومن يقف معها من بعض صغار الموظفين، والعمالة المستوردة إلى مداهمة القرى والمجمعات السكنية والمنتجعات السياحية، والحياة الفطرية وأشجار الزيتون والعرعر في تلك الأنحاء، اغتيالاً للبيئة بما تحتويه من غابات، وغطاء نباتي طبيعي التوازن، فنراها تشن حرباً ضروساً بالمعدات، حفراً وتجريفاً وتكسيراً وكأنها لا تكترث بالأنظمة الرسمية، فضلاً عن المناصرين للبيئة، والمدافعين عن حق إنسان هذه الأرض، بل إنها وبعملها هذا تجاهر بالمزيد من صبَّ جام غضبها على القرى والمزارع والمقابر والأودية والطرقات، وعلى الطفل والشيخ والمريض بما تحدثه أصوات تلك المعدات المدوية ازعاجاً وضجيجاً وضوضاء في سماء القرى بحثاً عن خام (الفلد سبار) على حساب الصحة والسكينة العامة والتوطين والأمن النفسي للأهالي. مسكين المواطن! أمام جشع بعض القائمين على بعض المؤسسات والشركات الاستثمارية وطمعهم، وماذا سيكون جوابهم أمام القادر الجبار؟ وقد زرعوا أخبث الأمراض، وفتكوا بأغلى ما يملكه الإنسان، من أجل حفنة من الريالات، على حساب الإنسان والبيئة والسياحة والأصالة وأسرار البقاء، فقد ثبت في الصحيح أن امرأة دخلت النار في هرة لا هي أطعمتها وسقتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، وأن أخرى كانت بغياً دخلت الجنة لأنها سقت كلباً يلهث شربة ماء، فإذا كانت الرحمة بالكلاب تغفر ذنوب البغايا، فإن الرحمة بالبشر تصنع الأعاجيب. وهكذا عندما يسيطر الشر، ويرفض أن يبرر وجوده إلا بموت الآخر وقهره، فهو الانتقام بذاته، وهو الاغتراب الذي يخفي الصراع الحقيقي بين الذات المتضخمة، والآخر الذي يبحث عن السكون والسكينة، انه المسخ الذي يكره صور الجمال التي يراها أمام عينه، فيسعى للأذى، وتشويه كل الوجوده، لأنه لا يطيق أن يرى صورة جميلة، فمن يقتله أنينه وحزنه، وتمزقه معاناته، يفوق ألف مرة ميتة الإنسان المضرج بدمائه. ثانياً: لم تأبه هذه الشركة للأوامر والتوجيهات السامية والتوصيات التي صدرت من الدولة أعزها الله. ومن منطلق مسؤولية وزارة الزراعة عن الغابات في المملكة بموجب نظام المراعي والغابات الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/ 22وتاريخ 1398/5/3ه ورقم م/ 55في 1425/10/29ه، فإنها ترى أهمية المحافظة على هذه الثروة لكونها أهم مقومات السياحة في المنطقة وغطائها النباتي بنسبة عالية جداً. ولا زال في النفس سؤال وألف سؤال نوجهها إلى من يقلب بين يديه ملف القضية في الثروة المعدنية وفي الشركة ونقول لهم: ما هي الموارد غير المتجددة، وما الفرق بينها وبين الموارد الطبيعية المتجددة؟ وما مشكلة الغطاء النباتي الحقيقية؟ وما تحديات الأمن البيئي؟ ثم لا مناص من التحليل العلمي الدقيق لماهية المخاطر، والاستغلال الجائز فضلاً عن التقييم البيئي، ومفردات التدهور، والتوازن، والتصحر، والتنمية المستدامة، والتنمية البيئية، والتنمية السياحية والسياحة البيئية، وهل قد سمعتم باللاجئين البيئيين. أجزم لو كلف نفسه من أوكل إليه الملف بداية لما وصل الحال إلى ما وصل إليه؟ وهكذا فإنه عندما يتحايل البعض على تنفيذ التوجيهات ولا ينصاعوا للتحذيرات البيئية من الجهات المختصة، وعندما لا يضعون أنفسهم في مكان المواطن، فإنه لا يضرهم في شيء ما تحدثه الكسارات والجرافات وصوت الآلات الثقيلة فوق أراضي الغابات، وحينئذ فستعلن تلك الأنحاء إفلاسها البيئي من هذه الثروة الوطنية الهامة.. وعندها هيهات أن يفيد الاستجداء عندما تقرأ الأجيال القادمة باعتبارهم شركاء لنا في هذه الثروة، وتعلم أنه كانت هنا، وهناك غابات كثيفة؟ وغطاء نباتي طبيعي، ومناظر خلابة قضي عليها بدون أسباب واضحة!