قام الكيان الصهيوني في فلسطين سنة 1948م على أنقاض المدن والقرى الفلسطينية التي قامت العصابات الصهيونية بتدميرها، لتنشأ مأساة اللاجئين الذين يمثلون ما يقارب ثلاثة أرباع الشعب الفلسطيني، لقد كان مبدأ (بن غوريون) "ان تدمير فلسطين شرط لقيام إسرائيل"، ومع مضي ما يزيد على نصف قرن على تلك المأساة، بقيت قضية اللاجئين الفلسطينيين هي الأقدم، إذ ان ملايين اللاجئين في العالم عادوا إلى أوطانهم باستثناء الفلسطينيين، الذين يمثلون حوالي ثلث تعداد اللاجئين في العالم. أكثر من 935ألف لاجئ يزيد تعدادهم على خمسة ملايين، أخرجوا من 531قرية ومدينة، وهي تساوي 92% من مساحة فلسطينالمحتلة، أرغموا على الخروج من مدنهم وقراهم، إلى التشرد في فلسطين نفسها، أو في الدول العربية المجاورة، اليوم ينتشر الشعب الفلسطيني - الذي يبلغ تعداده قرابة 8ملايين - في أكثر من 130دولة، ويحملون نحو 33جنسية، ففي فلسطين يعيش 46% من أبناء الشعب الفلسطيني؛ منهم 13% في الأراضي المحتلة عام 1948م وهؤلاء منحوا المواطنة الإسرائيلية، لكن منعوا من العودة إلى منازلهم وأراضيهم الأصلية، ونظراً لتزايد أعدادهم - إذ بلغوا المليون - فقد قاموا بإنشاء 116قرية يعيش فيها 70ألفاً، لم يعترف الكيان الغاصب بنصفها فلم يوصل لها الماء أو الكهرباء بل حوّل نفايات المصانع باتجاهها، ويمارس أبشع أنواع الظلم من اتلاف المزروعات قبيل موسم الحصاد وغيرها من الممارسات غير الإنسانية، ويعيش في الضفة وقطاع غزة 33%، ويعيش 41% في الدول العربية المجاورة لفلسطينالمحتلة. إذاً فمعظم اللاجئين الفلسطينيين يعيشون في فلسطين وما جاورها، وذلك يدل على ارتباطهم وتمسكهم بهذه الأرض المقدسة، والمشكلة تكمن في أن عملية التهجير والإبعاد لا تزال مستمرة دون توقف، وحال الشعب يمكن وصفها بهذه الأبيات: شعوب الأرض في دعة وأمن وهذا الشعب تنهشه القروح تناوشه الطغاة فأين يمضي وهل بعد النزوح غداً نزوح يقارع طغمة الإجرام فرداً وتشكو للجروح به الجروح أما الكيان الصهيوني فيرى في عودة اللاجئين الفلسطينيين نهاية لوجوده، ففلسطينالمحتلة يمكنها أن تستوعب 16مليون يهودي - وهو تعداد اليهود في العالم - ولا يمكنها أن تستوعب أهلها، فلسطينالمحتلة جاءها اليهود من 102دولة ويتكلمون 82لغة، ويعيش 80% منهم على مساحة تقدر ب 15% فقط من مساحة الكيان الصهيوني، بمعدل 6أشخاص على الكيلومتر المربع، أما الكثافة السكانية في قطاع غزة المجاور فيعيش 550شخصاً على الكيلومتر المربع. أما اتفاقيات السلام التي بدأت في التسعينيات فقد استبعدت حقوقهم بتجاهل، فقيادة منظمة التحرير التي كانت تقتات عبر تاريخها على حساب اللاجئين، آثرت - بعد المزايا الممنوحة لها في أوسلو مع بطاقات ال V.I.P أن ترحل القضية إلى مفاوضات الوضع النهائي، لكون الكيان الصهيوني يراهن هو أيضاً على عامل الوقت ليسقط حق العودة بالتقادم. دأب اليهود في المفاوضات على مقايضة حق العودة بملفات أخرى، منها اقامة الدولة التي يريدونها أن تكون منزوعة السيادة، أو التعويض، ومع أن التعويض ليس بديلا عن العودة، بل هو حق آخر مضاف إلى حق العودة، الا أن اليهود يشترطون تعويض اليهود الذين خرجوا من الدول العربية الى فلسطينالمحتلة ثم بعد ذلك يتم النظر في التعويض، لتكون فاتورة الحساب في النهاية لصالح اليهود، وبذلك يكونوا قد صدروا أزمتهم إلى الدول العربية، ومن نقاط التسوية التي طرحها الكيان تحسين الأوضاع المعيشية للاجئين في أماكن لجوئهم عبر صندوق دولي، او العمل على توطين اللاجئين حيث هم عبر اتفاقات دولية. في أحسن الأحوال قد يقبل اليهود عودة بعض اللاجئين مع وقف التنفيذ، وذلك يإيجاد شروط وضوابط وآليات غير قابلة للتنفيذالعملي، على طريقة اتفاق اوسلو، فكل شبر من الأرض يمكن التفاوض عليه عدة مرات مع كل حكومة قادمة. استطاعت الآلة الإعلامية الصهيونية ان تشيع بأن القضية لا تعدو كونها هجرة طوعية بسبب اوامر القادة العرب - في ذلك الحين - الداعية الى ابتعاد السكان المدنيين عن ساحات القتال، ولاتاحة الفرصة لدخول الجيوش العربية النظامية، اضافة الى ما مارسته وسائل الاعلام العربية من مبالغات في تضخيم حجم الأعمال العسكرية الصهيونية مما ساعد على انتشار حالة من الخوف بين الفلسطينيين وهاجروا طوعا، هكذا زعموا. الذي كان شائعا لدى الشعوب العربية، والى عهد قريب، ان الفلسطينيين قد باعوا أرضهم، حتى جاءت الانتفاضة المباركة لتغسل درن تلك الأكاذيب التي كان لها اثر سلبي تجاه التجارب مع القضية الفلسطينية، كما ان الدراسات تشير الى أن 89% من اللاجئين خرجوا بفعل أعمال عسكرية يهودية، و10% منهم خرجوا بناءً على نظرية الحرب النفسية، والذين خرجوا طوعاً أو بقرار منهم هم 51% فقط. وفي غمرة الانشغال بالأحداث السياسية ولغة الأرقام والتاريخ قد يغيب عنا البعد الانساني للقضية، فكم من أب وأم حرما من رؤية اولادهم وأحفادهم، وكم من أسر تقطعت الصلات بينها، ومخيمات اللاجئين تقف شاهدة على المأساة والمعاناة والظلم، فلدى كل لاجئ حكاية يحكيها لأبنائه وأحفاده عن بطش الاحتلال اليهودي وظلمه، وعن قريته المسلوبة تتناقلها الأجيال ولا تمحوها الأيام، تلك الآلام لن تمحوها التعويضات، ولن يجدي معها وطن بديل، ولربما فارق أحدنا أهله وأقاربه اياما فاشتعل الشوق في نفسه، انها كارثة أصحاب أرض الرسالات، وارض المحشر والمنشر، وأرض مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم تزداد مأساتهم عندما يحرمون - مع لجوئهم - من التعليم او العلاج أو التنقل بين البلدان العربية، كل بحسب الجواز الذي اضطر لحمله. وينبغي للدول العربية التي تحتضن اللاجئين ان تعيد النظر في طريقة تعاطيها معهم، فقد أصبح اللاجئون محاصرون في المخيمات، واما المزايا التي قد تمنح لهم أحيانا فقد ارتبطت - غالبا - بالمواقف السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية على اعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، في حين نجد اليهود في الغرب اصبح لهم وجود قوي واستثمروه حتى أصبحوا مددا سياسيا واقتصاديا للكيان الغاصب، وتبوأوا مناصب قيادية فيها. وأخيرا: ينبغي عدم التجارب مع القضية وكأنها تخص الفلسطينيين أو اللاجئين وحدهم، فأين العرب من هذه المعادلة وعملية التسوية، ان الخطأ الأساسي الذي لا ينفك عن خطط السلام والتسوية في المنطقة هو تناسي واغفال الحق الشرعي للأمة الإسلامية كلها في فلسطين، ولهذا ستبقى كل تلك الأطروحات والمفاوضات والمؤتمرات السرية والعلنية، لا قيمة لها على أرض الواقع، لأنها باختصار تفاوض من لا يملك على ما لا يملك، فمن الذي يملك حق التنازل عن القدس؟:! ومن الذي يملك اسقاط حق عودة اللاجئين او استبداله؟ اذاً: لا لعودة اللاجئين وحدهم.. ونعم للمطالبة بحق عودة المسلمين.. كل المسلمين حتى اللاجئين، ينبغي - حين الحديث حول هذه القضية - ان نتحدث عن حق عودة المسلمين للقدس ولزيارتها والصلاة في مسرى رسولنا صلى الله عليه وسلم القائل : "لا تشد الرحال الا الى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا".