تركت جسدي كما هو سبورة لطباشير الأيام تأتي وتكتب كل حكايات البشر ولم يأت البتة يوم يمسح ما كتب الأمس لأمسحه بأناملي وتنزف أناملي أحرفا سوداء على أوراق ابتعتها تشبه حلمي ونسيت ان أكتب ما كتبته تلك الطباشير على روحي هذا ما كتبته طباشير الأيام في ديوان (شكوت نفسي!) لإبراهيم بن محمد النملة، والذي صدر مؤخرا عن دار الساقي، في (117) صفحة، من القطع المتوسط، والتي ضمت عشرات القصائد، التي تؤكد على ن للحرف دائما حكاية مختلفة، مع النملة، لأن حروفه بمداد المشاعر التي تتنفس هواء صحيفته، وتنمو في جداول زواياه، التي تحلق من خلالها الى كل قارئ حتى وإن اجتجب القراء عن شكر صاحب الثلاثية: الأحرف، الحكاية، الصحيفة.. هذا الصباح كتبت كل أحرف السماء وجع البارحة حرمني السهر مع قلمي وهاهي ذي ورقتي تنبض بمشاعري نثرت أحرفها على صحيفة صباحية قرأها الجميع لم يقل لي أحد شكرا الحكاية في ديوان النملة، هي الحكاية في مقالاته التي يكتبها كل صباح، ويرسلها بالحمام الصحفي الى العالم.. الحكاية هي ابراهيم النملة.. أوراق كثيرة مزقتها وأقلام كثيرة كسرتها حينما اعتقدت ان الحكاية لا تحمل سوى ملامحي! كما ان الحكاية والأسطورة عند ابراهيم حضور بمقياس آخر تنفرد به الا وهو مقياس الصدق، الذي يخرج الأسطورة على العالم مرتبطة بآيات الصدق.. ومع كل ما تحمله الأسطورة من صدق الا انها اسهل ما يمحى عندما تدخل الأسطورة عند النملة طور الرسم.. ارتبطت به وارتبط بي لم نكن سوى أسطورة صادقة كنا نرسم تلك الأسطورة بكل أبعادها التفت الى اسطورتي فوجدت آخر خطوطها يحتضر تحت ممحاته! لقد استطاع الشاعر ان يصنع من وجعه وسادة، ومع انها ماركة مختلفة.. الا انها صناعة الواقع، التي تناسب مسكن الفراق الذي تختلط جدرانه بأثاث الشكوى وأحلام الحزن، مسكن شاسع في أركانه لما يحويه من شخوص ليس لهم الا حضور الأفكار المعلقة على الجدران.. الأم، المجتمع، الصداقة، المشاعر، الإخوة، الدموع، النساء.. الدنيا بما حملت، لكن الليل الذي يضم هذه الدنيا في هذا المسكن، يسد ستائر الظلام سجنا لا ينفع معه ضوء حرف، ولا قبس حكاية، ولا نداء لأصدق ما في الكون من مخلوقات (الأم) ليظل الشاعر في وحدة مغترب، في ركن من الخجل، لا ينتظر إلهاما ولا سؤلا ولا حتى نهاية تخلصه من قبضة مسكنه الفسيح.. الذي يراه جبا في هدوئه موت لكل شيء، مما يجعله لا يفكر في اشعال شمعة، ولا يهم بلعن الظلام.. لنجد ان سر صمت ابراهيم في ديوانه بوح يجتمع مع بوح أبي فراس الحمداني.. ويختلف معه لأنه على يقين من تصوره من ان مساء مدينته مزدحم بالظلام.. ومن هنا تهب في مسائه روميات أبي فراس.. لتفصح حروفه حكاية رثاء.. ستجدها غدا في احدى صفحات صحيفته المفضلة تحت عنوان: رثائية أمي.