"سطر يكتب عني في حياتي خير من الف كتاب عني بعد مماتي" قالها ذلك الروائي الفرنسي مدركاً ان كل ما يكتب عنه في حياته يعنيه وذو اهمية لديه، وكل ما يكتب عنه بعد رحيله فإنما يعني التاريخ، وهذا التفكير يعني صاحبه الذي رحل لكن الذي يعنينا ان نتخلص من ممارسة الوفاء مع الأموات لأنها صفة شريفة لكنها لا تفعل شيئاً لصاحبها، الا اذا كان العمل والاحتفاء والتكريم موجهاً للتاريخ. الذي يحسن بنا ان نكرم انفسنا بتكريم الأموات ونكرم العاملين بتكريم الأحياء اعني ان الفعلين صحيحان اذا قُرنا، ادرك مقدماً ان العذر هو نسيان الحي حق الحي حتى يموت فيذكره، ثم نعود لننسى الآخر حتى يموت والذي يبني ويريد ان يبني الآخرون ويهمه البناء عليه ان يعرف للمبدع حقه ولكل فاعل في حقله قدره، اننا اذا مارسنا هذا التكريم المعرفي والقيمي صدقنا مع انفسنا في تكريم الأموات. وأصدق مناسبات التكريم والاحتفاء هو تكريم المخلصين في خدمة الوطن ثقافياً وعلمياً وإدارياً ويشتد ذلك التكريم قدراً حين ندرك ان مثل أولئك عانوا الغربة والترحال والتنقل وكثرة الأعمال فلم تنسهم تلك الهموم ولم تسدل عليهم تلك النوافذ ستائرها المعتمة، حين ظل العمل ناجحاً والفعل صالحاً، والابتسامة عنوان التحفيز والتشجيع، ولم يتوقف العطاء الثقافي والأدبي عنده كتابة وتأليفاً وإبداعاً. والأستاذ عبدالله الناصر الملحق الثقافي السابق بالمملكة المتحدة وايرلندا صورة مشرقة لهذا الانموذج البشري الذي اعطى واسهم وبنى ولم تثنه الغربةوالأسفار عن العمل والعطاء والوفاء والإبداع، وقد قضى جل عمره في خدمة وطنه ( 26عاماً) وثقافة أمته ولغته العربية خدمة طيبة ومع وجوده خارج الوطن لفترة طويلة من الزمن لم نجد بعد عودته مناسبة ثقافية يكرم فيها هذا الأديب الوفي لأدبه والمسؤول الوفي لوطنه فكنا ننتظر ان تقوم وزارة التعليم العالي او وزارة الثقافة والإعلام او الأندية الأدبية او الجهات التي تخدم حركتنا العلمية والثقافية نقول ننتظرها تقوم بتكريم الفارس العائد الى وطنه ولو بحفل مبسط، لكننا وجدنا اجتهاداً شخصياً لنخبة من أدباء الرياض وهم اربعة من الأساتذة المميزين في مشهدنا الثقافي حيث استشعروا اهمية القيام بتكريم الأستاذ الأديب الناصر بعد عودته من غربته الطويلة فوق شعور الجهات الثقافية الرسمية وغير الرسمية بأهمية مثل هذا الاحتفاء برجل اداري وأديب تغرب في خدمة وطنه، وهو شعور نبيل من الأساتذة أحمد الصالح وعبدالله الغذامي وحمد القاضي وابراهيم التركي الذين لم ينتظروا استيقاظ انديتنا الثقافية ومؤسساتنا الأدبية، بل فوتوا الفرصة على غيرهم والمبادرة وفاء يمهد للوفاء، وإن كان هناك من ملحوظة على هذا الفعل النبيل فلكون الأربعة تحايلوا على من يحبون ان يقدروا أدباء هذا الوطن من الذين يشعرون بقيمة الأستاذ الناصر ويحملون له كثيراً من الحب والاحترام، حيث استأثروا خلسة بهذا التكريم ولم يخبروا احداً وكأنهم يريدون احتكار هذه المحبة ويريدون ان يعلنوا ان صوت المثقف اقوى وأكثر وفاءً من بعض الجهات الرسمية. وقفة: @ اذا اردنا ان نتمعن في اكثر الوجوه لمعاناً وجمالاً فيما يتصل بتكريم المبدعين فليت ان بعضنا يطلع على النماذج الاحتفائية المصرية الرسمية لمبدعيها ومثقفيها، سواء المغتربين منهم أم المقيمين، او ليت ان أولئك الصامتين رأوا ذلك الاحتفال الكبير للناصر والوداع المثير في لندن من الأدباء السعوديين والعرب حين كرمه المبتعثون بما يليق به وحضرت خلال ذلك الحفل اطياف من صور الابداع والأدب. شخصياً اتمنى من الله العلي القدير الا يموت عبدالله الناصر حتى لا تتذرع مؤسساتنا الثقافية بفرصة سانحة لتكريمه!!!.