أصبح التنافس بين الفضائيات لتقديم وجبة دسمة من البرامج التي تشد المشاهد غاية مطلوبة وهدفا قويا تسعى إلى تحقيقه كل القنوات، فالأكثرية منها يلجأ إلى تقديم برامج بهيئة المسابقات لسببين، أولهما أن المشاهد العربي قد أُعجب بتلك الفئة من البرامج وتناغم معها وانسجم على فكرتها والسبب الثاني والأهم وهو العائد المادي من وراء تلك البرامج، فإن كان اختيار الفائز من بين المشتركين عائداً على لجنة التحكيم فقط أو تصويت المشاهدين عبر الطرق "المجانية" كالبريد الإلكتروني أو الصندوق البريدي الجوي فأي قناة ستتجرأ بعرضه بدون أن يعود عليها بالخير الوفير؟. إذن لابد من شروط ومقومات أساسية لضمان اتصال المشاهدين بالأرقام المخصصة تحت "حجة" أن الجمهور هو الحكم الأول والأخير في اختيار الفائز، ومن وجهة نظرهم يرون بأن البرنامج سيكون ملفتاً للنظر أكثر و"مجبراً" المشاهد على التصويت إن كانت جنسيات المشاركين في السباق من سائر الوطن العربي.. لماذا؟ لضمان تلقي الاتصالات من جميع البلاد العربية، إذ أن كل شخص في بلد سيرى في ابن بلده الأحقية في الفوز، ليس لأنه الأفضل بين المشتركين وليس لأنه قد قدم عملاً مميزاً عن الآخرين وإنما لأنه ينتمي ويلتقي معه في الجنسية!. وكل شخص في بلد ما سيرى في ابن بلده النجم المرتقب في المسابقة، ليس هذا وحسب بل قد يصل الأمر في بعض الأوقات إلى التقاء أنصار أحد المشاركين بمحبي مشارك آخر من جنسية أخرى وتحصل بين الطرفين مهاترات ومهازل مما يصل إلى سب دولة بأكملها من اجل عين ابن البلد، ويتبادلان بالتالي ما تحزن لرؤيته عين العروبة، وتزداد التصويتات وتزداد الأموال المنفقة والضائعة في الاتصال بأرقام مخصصة للتصويت ومخصصة كذلك لأخذ ما تأخذه من رصيد المتصل، وتضيف لرصيد خزينة البرنامج وكأنما تخبرنا بأنه يمكنك "شراء" بطاقة فوز مشتركك وممثل وطنك لدينا إلى أن يفوز أحد المشتركين وتعم الفرحة على جميع بني جلدته ونسبه وجنسيته ليتراقصوا ويهتفوا باسمه وكأنما قد فاز من عرق جبينه. أما إن كان الموضوع موضوع قبائل وأنساب كما نراه على سبيل المثال في برامج المسابقات التي تهتم بالشعر والشعراء فالموضوع مختلف بعض الشيء، بما أن المشتركين أغلبهم من خليجنا العربي الجميل والكبير، ترى بعض المشاركين بداية حديثه وبعد أن وصل إلى مرحلة جيدة يوجه أولى رسائله إلى قبيلة كذا لأنها ساندته وصوتت له، رغبة في تذكيرهم بأنه لم ينساهم ويطمح بالمزيد من التصويت منهم ويأتي المشترك الآخر ويقول أملي في الله كبير ثم بقبيلتي كي تساندني في المراحل القادمة، ونبدأ من جديد مرحلة الانتماءات العرقية، ونرجع من جديد إلى دائرة العراك العرقي والقبلي بين المشاهدين. دعونا نتحدث بعقلانية، هل معنى أن يشارك أحد من وطنك أو من قبيلتك أو من أقربائك يكون سبباً كافياً لأن تقوم بالتصويت له؟. وأنت ترى وعقلك الباطن يخبرك بأن هناك الأفضل منه ولكن "وطنيتك" أصبحت حجة تدفعك لتواجه بها ضميرك لأنك أعطيت صوتك لمن لا يستحقه، ونحن نعلم بأن الغرض من إنشاء تلك المسابقات "بخلاف العائد المادي للرعاة الرسميين له" هو تقديم فنان سيتحفنا بالمستقبل بما نافس به زملاؤه في تلك المسابقات. خلاصة الموضوع، نريد أن نرى نجماً في نهاية برامج المسابقات التلفزيونية قد اتفق عليه الجميع من كافة الجنسيات وكافة الانتماءات العربية، نريد أن نرى إنساناً سيضيف للفن العربي ما يليق به حين مقارنته بالفنون العالمية الأخرى ونريد أن نرى فنانين قادرين وواثقين بأنهم سيحملون ويكملون تلك المسيرة المميزة التي حملها على الأكتاف رواد الفن السابقين والحاليين ممن أضافوا للفن خوالد يتذكرها الجميع عبر الأجيال ويفتخر بها العرب حينما تمتزج الفنون العالمية ويكون للفن العربي المكان الأكبر والأجمل بين الفنون، ولكن إن بقي الحال عبارة عن التصويت لابن البلد لا للفن الأفضل.. فأقترح للقنوات الفضائية فكرة بالمجان وستجني لهم الكثير من الأرباح، اتركوا مسابقاتكم الفنية وقدموا لنا متسابقين من كافة البلاد العربية واجعلوا الشرط الوحيد للقبول بتلك المسابقة بأن يكون المتقدم لها من بلد عربي فقط.. وأخبرونا بأن الفائز فيها هو أكثر من سيتم التصويت له!.