خذ كمية من الحديد الخام يساوي سعرها في السوق مائتي ريال فقط. حوّل هذه الكمية إلى حذوات حصان سيرتفع سعرها إلى 2000ريال.. حول نفس الكمية إلى ابر للخياطة سترتفع قيمتها إلى 20000ريال. اصنع منها زنبركات دقيقة سيرتفع سعرها فجأة إلى 2000000ريال. أما إذا استعملت تلك الزنبركات لصنع ساعات رولكس ستصبح مليونيرا وستمتلك اكثر من 20000000ريال!! والآن - قبل الانتقال للفقرة التالية - اسأل نفسك ما الذي حول كمية بسيطة من الحديد الخردة إلى ثروة تساوي الملايين !؟ - هل هي المعرفة.. أم المهارة.. ام القدرة على تسويق المنتج !؟ في الواقع كل هذه العناصر تساعد على صنع ومضاعفة الثروة؛ فجميع امم الارض تبدأ بنفس الكمية من الحديد الخردة ومايحدث بعد ذلك يعتمد على مهارة ابنائها ومستوى الطموح الذي يتمتعون به ! انظر مثلا للصناعات البتروكيميائية لدينا؛ فحين اكتشف البترول لأول مرة كان من الطبيعي ان يصدر للخارج بشكله الخام. ولكن في مرحلة متقدمة أصبح البترول يباع (بعد تكريره) ويحقق بالتالي مردودا اكبر. ثم في مرحلة أكثر تقدما حول قسم من الثروة النفطية لخدمة الصناعات البتروكيميائية الامر الذي يعد نقلة نوعية ويقدم عائدا ماليا أكبر (فالبتروكيميائيات تستخدم لتصنيع عدد كبير من المواد الاستهلاكية كالبلاستيك، ومساحيق التنظيف والأقمشة، والاسمدة، واطارات السيارات .الخ ). ومن هذا المنطلق تصور مدى الفرق والعائد الاقتصادي المتأتي من تحويل منتج خام - كالنفط - إلى مواد تصنع منها ثلاثة ارباع المواد الاستهلاكية في العالم (وهذه مرحلة تشبه تحويل الحديد الخردة إلى زنبركات دقيقة).. أما المرحلة الاخيرة فهي نجاح الصناعات البتروكيميائية السعودية في تحويل قسم من انتاجها لتموين المصانع المحلية لتصنيع سلع متكاملة وصالحة للاستهلاك المباشر - وهي مرحلة توازي استغلال الزنبركات السابقة لصنع ساعات رادو او رولكس!! @ هذا عن السعودية.. اما النموذج الثاني فعن دولة نرى اسمها في كل زاوية من زوايا بيوتنا (فمن منا لايملك جهازا أو اثنين صنعا في اليابان).. فاليابان آخر دولة يفترض تحولها لعملاق صناعي - خصوصا بعد سحقها اثناء الحرب العالمية الثانية. فهي أرض بركانية ضيقة لاتبعد اي نقطة فيها عن البحر اكثر من 95كيلومترا. وهي لاتملك "حديدا" ولا نفطا ولا أي ثروات طبيعية مهمة - ومع ذلك اصبحت ورشة الارض وتملك اكبر احتياطي نقدي بين دول العالم. وما يميز التجربة اليابانية انها نشأت بمبادرات شخصية من أبنائها (في حين اعتمدت التجربة السعودية على الجهود الحكومية بشكل خاص).. فتويوتا، وهوندا، وسوزوكي، وياماها، اسماء لافراد بدأوا من الصفر وتحولت أسماؤهم إلى ماركات عظيمة لها شهرتها وسمعتها في الأسواق. وفي ظل انتفاء الثروات الطبيعية كان الابداع والابتكار (بعد التقليد والمحاكاة) وسيلة اليابانيين لتطوير منتجاتهم وتحويل "التراب إلى ذهب".. فشركة سوني - على سبيل المثال - أسسها مهندس صغير يدعى أكيتو موريتا استقال من مهنته كمدرس للالكترونيات وبدأ عمله الخاص بخمسمائة دولار فقط.. واليوم تحولت سوني إلى "اخطبوط" صناعي تمتد أطرافه في كل زوايا الأرض. وهي (ككل الشركات اليابانية) تستورد المواد الخام بسعر بخس وتحوله لأجهزة متقدمة تصدر 75% منها للخارج. ونسبة التصدير العالية هذه تميز معظم الشركات اليابانية مما يعني ان المنتجات (التي استوردتها كمادة خام في البداية) تعود إلى اليابان أضعاف أضعاف سعرها الأصلي!!