تعمدتُ أن أجلس في الركن البعيد الهادئ من صالة مسرح دبي لأرقب وقع الفيلم السعودي "صباح الليل" على جمهور مهرجان الخليج السينمائي، ومع أن الفنان راشد الشمراني يملك من الوعي والثقافة ما يجعلك تطمئن لكل ما يخرج من تحت عباءته، إلا أنني وضعتُ يدي على قلبي خشية أن تكون تجربته السينمائية الأولى مجرد حقيبةٍ مُهلهلة تُحشر فيها قضايا المجتمع بجملتها دون حبكة منطقية ودون سياق درامي يبرر وجودها كما هي حال التجارب السعودية السابقة. إلا أن النتيجة جاءت مطمئنة، فمن جهة كان الفيلم جيداً بسياق واضح وبلا عيوب مزعجة، ومن جهة أخرى كان الجمهور سعيداً مستمتعاً بشخصية أبو هلال وبمواقفه الطريفة مع عمرو بن هند وجساس وكليب بن ربيعه، وهذا غاية ما ينشده أي فيلم تجاري أنتج أصلاً من أجل الاتصال بالجمهور العادي والعيش على مردود شباك التذاكر. فيلم "صباح الليل" مناسب جداً للعائلة السعودية المحافظة، هذا ما فكرت فيه لحظة خروجي من الصالة، فالفيلم خلا تماماً من كل ما هو خادش للحياء ولم يقترب إطلاقاً من المستنقع الذي غرقت فيه الدراما الخليجية من حيث التعلق بقضايا شاذة وبإيحاءات جنسية مبتذلة ، "صباح الليل" ابتعد عن كل ذلك مقدماً فكرة واحدة بسيطة بشكل رصين ونظيف ليحوز على إعجاب الجمهور ولينسف الفكرة السائدة التي تقول إن على السينما لكي تنجح أن تكثف من الإغراء والإثارة. وظهوره بهذا الشكل قد يجعل منه نقطة تحول في مسيرة السينما السعودية حيث لأول مرة يظهر فيلم طويل مقبول من الناحيتين الدرامية والأخلاقية ويحوي قيمة فكرية بقالب كوميدي بسيط يدركه الجمهور العادي، الأمر الذي قد يتسبب في استعادة ثقة المجتمع بالسينما وإثبات أنها مجرد قالب تحتوي الجيد مثلما تحتوي السيئ. يحكي الفيلم قصة "أبو هلال" سائق الشاحنة الشهير الذي يجد نفسه في وسط الصحراء أمام سيارة غريبة لديها خاصية السفر عبر الزمن، وما أن يركبها "أبو هلال" حتى ينتقل إلى ثلاثة حقب زمانية حدثت فيها ثلاثة أحداث تاريخية هامة، الحدث الأول هو حرب "البسوس"، الثاني "داحس والغبراء"، أما ثالث الأحداث فقصة عمرو بن هند مع عمرو بن كلثوم. ومع هذه الأحداث الثلاثة يدخل "أبو هلال - راشد الشمراني" في مواقف طريفة يسعى من خلالها إلى حل الخلافات التاريخية على أمل أن يسهم ذلك في تغيير المستقبل العربي إلى ما هو أفضل. والمميز هنا هو اللعب الجميل على وتر "المفارقة" والتناقض الواضح بين جدية الشخصيات التاريخية وهزلية "أبو هلال" وبين اللغة العربية الفصحى واللهجة الحجازية، وقد ساهم هذا التناقض في صناعةِ كوميديا جيدة وفي ابتكار "النكتة" الذكية اللاذعة التي تتوسل الضحك من أجل رثاء الواقع العربي. السياق الدرامي في الفيلم كان واضح الملامح بمسار واحد فقط هو المسار الذي تمشي عليه شخصية "أبو هلال"، ولم يكن هناك إقحام لقضايا أخرى قد تشتت انتباه المشاهد وتربكه، وهذه لوحدها ميزة تحسب لسيناريو الفيلم الذي كتبه راشد الشمراني أيضاً وحاز عنه وعن أدائه الممتاز شهادة تقدير من المهرجان. كل هذا لا يعني أن الفيلم وصل إلى حد الكمال، لأن هناك عيوب تقنية شابت العمل، منها عيوب في القطع والمونتاج، وعدم ضبط صوت الموسيقى في بعض اللقطات، لكن هذه العيوب طفيفة ولا تذكر، وإذا تجاوزناها وتجاهلنا روح الفيلم التلفزيونية، فلن نبالغ إذا ما اعتبرنا "صباح الليل" وبالمقاييس المحلية أفضل فيلم سعودي طويل أنتج إلى الآن، وقد يكون الأنجح في شباك التذاكر شريطة أن توضع له خطة تسويقية تضعه أمام كل مشاهد سعودي.