قالوا إن "الصحافة" هي مهنة البحث عن المتاعب بلاشك تعلمون لماذا أطلق عليها ذلك الوصف؟ واسمحوا لي أن أصفها ومن خلال ممارستي لها مدة طويلة انها مهنة "البحث عن الحقائق".. لأننا من خلالها نتعرف على الوجه الحقيقي لمشاكل الناس والمجتمعو وللفقر والغنى، للمسؤولية وعدمها، ولمصداقية تطبيق للوائح والأنظمة.. باختصار "معاناة الناس اليومية". لا يمكن لأي فرد أن يعرف حقيقة ما يحدث لمن حوله إلا إذا دخل عالمهم واطلع على تفاصيلها.. وهذا لا يتحقق غالباً إلا للصحفي أو الصحفية فقط.. لذلك أرى أننا - ممتهني الصحافة - نتعرض أكثر من غيرنا لكثير من الإحباط والضغوط النفسية ليس فقط لعدم وعي المجتمع خاصة في الدول النامية بدور الصحافة ومن ثم تقديرها لهذه المهنة وإنما لعجزه عن فعل أي شيء لتغيير أو تعديل ما رآه من خلل فلا يتعدى دوره معايشة هذا الواقع ونقل الصورة التي قد يتعثر نشرها!!! لا أخفي عليكم طرأت في عقلي فكرة هذا المقال وأنا في جولة صباحية ومهنية بدأت بانتظاري في أحد الأقسام النسائية لبنك يهتم بشؤون التقاعد والأرامل وخلال حديثي معهن عرفت تفاصيل معاناتهن السنوية المطلوبة لتجديد المعلومات - لمن تزوج أو توظف أو توفته رحمة الله - الموجودة في دفتر العائلة والتي يتوقف على مصداقيتها حق استمرار صرف الراتب.. ومن لا تسارع بعمل هذه الإجراءات يتوقف صرف الراتب الضئيل فوراً دون معرفة السبب أو إعطاء مهلة لهؤلاء النسوة!! ولابد أنكم تعلمون جيداً ما يعنيه انقطاع الراتب لامرأة أرملة ومسنة وأمية!!! بعدها ذهبت للقاء إحدى طبيبات الأمراض النفسية في مستشفى حكومي وذهلت لأعداد المراجعات واختلاف شكواهن بين قلق وأرق وحالات اكتئاب ووساوس ووجود شابات وأطفال تنوعت حالاتهن بين صرع وفصام وذهان ووساوس.. وسمعت قصصاً كثيرة منهن تحكي تفاصيل معاناة المرض النفسي ذاته ومتاعب المواعيد وتكاليف العلاج الباهظة في المراكز الأهلية وعدم خضوع هذه الخدمة للتأمين العلاجي.. وخرجت وأنا مثقلة بهم الناس.. والأمثلة كثيرة ومتنوعة ومتجددة في مهنتنا هذه حيث تضيف إلى معلوماتك يومياً قدراً كبيراً من الحقائق بعضها حلو وكثير منها بمرارة العلقم.