كثيرون ينسون حجم وتأثير وسائل الاتصال وكيف غيّرت هذه الوسائل ملامح التعامل الإنساني بما قادت إليه من مظاهر ثقافية وفكرية مؤثرة. ولك أن تتأمل شكل (العجلة الدائرية) التي نراها كل يوم وكيف لم تعد تدهشنا بعد أن قتل روعتها مرض الاعتياد والرتابة ونسي الإنسان ضخامة ومنفعة مثل هذه التقنية المدهشة. وربما نسي الناس الانقلاب الثاني الأهم مع اختراع الإنسان "للكتابة" كمنجز معجز حمل تراث الأمم ويسّر تبادل المعرفة الإنسانية بين الثقافات المختلفة. هل يستشعر الناس اليوم اثر ما حدث في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي حين ظهرت المطبعة مسجّلة بذلك أعظم الثورات الاتصالية التقنية ولك أن تتخيل لو لم تخترع المطبعة كيف يمكن أن يكون حال المعرفة الإنسانية اليوم. ومن طرائف اختراع المطبعة نص قديم (سنة 1716) يستفتي فيه صاحبه شيخ الإسلام (مفتي الخلافة العثمانية) عن حكم استخدام المطبعة يقول المستفتي: "(ما قولكم دام فضلكم في ما يقوله زيد ويدعيه عمرو من انه يقدر على نقش صور كلمات وحروف المؤلفات في العلوم الآلية: القواميس والمنطق والحكمة والفلك وجمعها في قالب وطبعها على الورق، واستحصال نسخ كثيرة من هذه الكتب، فهل يجوز له ذلك شرعا، أفتونا مأجورين) ويرد شيخ الإسلام برد جاء في خاتمته: "يجوز شرعا الطبع على الوجه المذكور ويستحسن تأليف لجنة لتصحيح الكتب المراد نقشها والله اعلم". ومن العجيب أن أول أربع مطابع وفدت للعالم الإسلامي كانت على يد رهبان مسيحيين في بلاد الشام بعد أن طال تردد علماء الإسلام في قبولها حتى صدرت هذه الفتوى. وقد تواصلت المنجزات الاتصالية فقدم (صامويل مورس) فكرة التلغراف عام 1837ثم توّصل (جراهام بل) عام 1875إلى منجزه المذهل "التلفون" ثم نجح الايطالي (ماركوني)، عام 1895في إرسال صوته عبر الهواء معلنا بداية الاتصال اللاسلكي وهو نفس العام تقريبا الذي تم فيه أول عرض سينمائي في فرنسا من قبل الأخوين لويس وأوجست لوميير. و بتلاقح الأفكار فيما بعد نجح (أودين ارمسترونق) عام 1918في اختراع جهاز الراديو كأول وسيلة اتصال جماهيرية تقدم خدماتها للجميع عبر الأثير وبلا ثمن. ويعتبر القرن العشرين أزهى العصور الإنسانية من حيث تتالي ظهور تقنيات الاتصال الحديثة وكان أهمها نجاح تجارب (جون بيرد) على البث التلفزيوني عام 1925و شاهد الناس أول بث تلفزيوني في العالم في لندن عام 1936م. وسجل التاريخ قفزة أخرى مهمة مع نجاح تجربة الروس المذهلة سنة 1957في إطلاق أول قمر صناعي في الفضاء ثم كانت ثورة الفيديو الذي ترافقت معه بدايات فكرة الحاسوب حتى كان عام 1973م حين طرح أول كمبيوتر شخصي في الأسواق هو "التاير 8000". و قد بدأ التحول الأهم عام 1975م حين كتب "بول الين وبل غيتس" لغة برمجة خاصة بالحاسوب وأسسا معا شركة مايكروسوفت معلنين بذلك بدء واحدة من أهم القفزات الاتصالية في تاريخ الإنسان كانت أولى ثمارها اندماج الوسائل فيما بعد في شبكة الانترنت ثم انتشارها الجماهيري المهول لتصل إلى ما يزيد على مليار وربع إنسان في زمن قياسي. نحن اليوم نتصفح الانترنت ونتراسل عبر البريد الالكتروني ونشاهد محطات التلفزة العالمية بل إن جهاز الهاتف المحمول بين أيدينا يستقبل ويبث المشاهد الحية مؤكدا قدرة وسائل الاتصال على تغيير وجه الحضارة البشرية..السؤال كيف استثمرناها؟ مسارات قال ومضى: من (بين الأقران) (اشهد) لك وحدك (بالعبقرية) ولكن في (تصيّد) (عثرات الناجحين) وما أكثرها لأنهم يعملون.