تملك المسكن ما زال هماً يؤرق الكثيرين وتضخم مساكننا بشكلها الراهن ضاعف من اتساع مساحة القضية لتشمل شريحة واسعة من المجتمع أصبحت أحلام تملك المسكن بالنسبة لهم صعبة المنال.. القضية تربط تضخم المساكن بتضخم الاسعار وعلاقة العمران بالاقتصاد والصحة واستقراء مستقبلنا العمراني وهل نتكئ على دراسات بحثية ترسم معالم المستقبل وتتلافى السلبيات وتعزز الايجابيات.. حول هذه القضية يحدثنا المستشار الدكتور مهندس خالد بن عبدالعزيز الطياش وقد استهل حديثه قائلا: العمران والعمارة عنصران مهمان في حياة البشرية فمن خلالهما ترقى الأمم وتبنى الحضارات وعلى ضوئهما يتحدد ترتيب الدول متقدمة او نامية او ترزح تحت اسم دول العالم الثالث، وبلادنا في الوقت الحاضر تشهد مرحلة تعتبر من أكثر مراحل التطور العمراني والمعماري في تاريخها فنشاط البناء والتشييد وما ينتج عنه من مخرجات رنشائية مختلفة وما تتأثر به البيئة والطبيعة المحيطة من جراء ذلك يحتاج الى وقفة تأمل تأخذ في اعتبارها طرق الانشاء ومواد بناء تلك المنشآت وهل ما نقوم به من عمليات انشائية وفق مواد البناء المتاحة مناسبا لنا ومتوافقا مع بيئتنا ومع النظرة المستقبلية الاقتصادية والاجتماعية لبلادنا نحن بحاجة الى استقراء المستقبل من خلال الدراسات والأبحاث والتجارب وفق ما سوف اطرحه في الاسطر القادمة: فعلاقة العمران بالبيئة أمر يدعو في وقتنا الحاضر الى الاهتمام الجاد بهذا الجانب الحيوي ومدى تأثيرنا على بيتنا الكبير (الأرض) فتنوع مواد البناء وتأثيراتها المباشرة والجانبية عند تعرضها للحرارة او البرودة او الاحتراق وما تبثه تلك المواد المختلفة من اشعاعات حرارية ومغناطيسية تجاه طبيعة الهواء المحيط بها وما نستنشقه من أبخرة وغازات ذات تأثير عالي الفعالية على البيئة المحيطة وعلى الإنسان والحيوان والنبات بصورة مباشرة أمر يدعونا الى الاهتمام تجاه ذلك، فساحة البناء والتشييد لدينا الآن تزخر بكم هائل من مواد البناء مكونة من الكثير من المواد الأولية مختلفة التركيب والمصدر لم يراع الا في القليل منها المواصفات التي تناسب البيئة بصورة عامة وبيئة بلادنا بصورة خاصة ومع عدم وجود الجهة المرشدة لمواد البناء وفتح أسواق البلد لكل منتج جعل سوق مواد البناء تحتوي على العديد من المنتجات ذات التأثير الكبير على البيئة، وبالتالي على الإنسان. ولا يخفى بروز التلوث في الآونة الأخيرة كعامل ضريبي تدفعه المدن الكبيرة كالرياضوجدة والدمام والتي بدأت منذ سنوات تعاني من ازدياد معدلات التلوث على نطاق المدينة فارتفاع عدد سكان المدينة وكثرة المصانع المحيطة بتلك المدن والورش والمناطق الصناعية وازدياد اعداد السيارات اضافة الى المساحات الهائلة من شوارع الاسفلت والكتل الخرسانية مع انخفاض حاد في المساحات الخضراء والأشجار أدى الى ارتفاع معدل التلوث في تلك المدن وجعلها تقترب من نسب التلوث العليا اذا لم تعالج تلك الظاهرة لمردودها السلبي الكبير على سكان المدينة فتلوث الهواء والماء يؤدي الى تفشي أمراض كثيرة بدأت مؤشراتها بالظهور في بعض المدن. ولا نهمل عند الحديث عن التلوث ان نذكر مدى التلوث الصوتي الذي بدا واضحا كاحدى عقبات السكن المدني فلقد وصل معدل الضوضاء والضجيج في بعض مناطق وأحياء مدن الرياضوجدة والدمام حدا فاق المعدلات الطبيعية المسموح بها والمقبول للانسان ان يتحملها خلال حياته اليومية، ولعل ما يلاحظ على الأجيال الجديدة من اطفالنا من ثقل وضعف السمع مرده الى ارتفاع معدل الضوضاء حولهم واعتبار ما يحيط بهم هو المعدل الطبيعي للضوضاء والضجيج لذلك فهم دائما ما يرفعون اجهزة التلفزيون او مصادر الصوت الأخرى الى الحد الأعلى ليناسب معيار سمعهم. وفي جانب آخر من علاقة العمران بالارض نجد ان ظهور الانسان على هذه الارض وان الله قد استخلفه فيها لكي يعبده ويخافظ عليها ويستخدمها لصالحه بحذر دون المساس بتكوينها الطبيعي أو التأثير السلبي عليها ولكن ما يحدث الآن هو تغيير جائر لتلك الطبيعة واعتداء لا مبرر له على تكوين ابدعه الاله ليشكل الاتزان الطبيعي المحكم فلقد تعلمنا في كليات العمارة والتخطيط ان نساير الطبيعة في تصميم مبانينا ولا نضطر الى تغيير الارض الطبيعية الا في الحدود القصوى والضرورية لكن ما نراه الآن من ازالة تامة لجبال كاملة والغاء اودية جارية ونسف هائل للهضاب والمرتفعات الطبيعية يعتبر تعديا على الطبيعة ومجرياتها وسوف يكون لها التأثير الكبير مستقبلا على الأرض وعلى مجاري المياه وممرات الهواء، فلقد كان أجدادنا القدماء حكماء وبعيدي النظر وحافظوا على الارض وطبيعتها باحترام وتقدير كاملين فمع محدودية العلم الذي كسبوه وقلة الامكانات المادية والفنية والتقنية التي يملكونها في ذلك الوقت الا انهم أبدعوا في إيجاد الحلول المثالية في البناء والتشييد، وبالذات في مجال المسكن فأصبح البناء في وقتهم طبيعيا في كل شيء ومناسبا للطبيعة ومتوافقا مع المناخ وصديقا للبيئة فمواد البناء بالكامل اقتصادية في قيمتها ومثالية في مكوناتها الطبيعية فخلال مرحلة المنازل التقليدية التي مرت بها مدن بلادنا لم نر تأثيرا للتلوث او العبث بالطبيعة والتأثير على البيئة المحيطة ولم نستطع في وقتنا الحاضر بما حبانا الله به من علم ومعرفة وبما منه الله به علينا من خير وثراء أن ننافس أجدادنا في بناء عمران مثالي يناسب طبيعة بلادنا ولا يؤثر على بيئتنا المحيطة، إن هذا الواقع في اعتقادي يعتبر فشلا لكل المهتمين بأمور البناء والتشييد والعمارة والعمران.إضافة إلى التساؤل الدائم عن عمارة ما بعد النفط كيف ستكون؟ فإذا نظرنا إلى المدى البعيد للعمران في بلادنا كيف سيكون؟ وعلى ماذا سوف يعتمد؟ فبلادنا عاشت منعطفاً هاماً ومؤثراً بعد اكتشاف النفط في أراضيها فتغيرت حياتنا وعمراننا فمن البيوت التقليدية المبنية من الطين والحجر إلى بيوت حديثة من الخرسانة المسلحة تدار بالريموت كونترول كل ذلك بفضل الله عز وجل أولاً وأخيراً ونتمنى ان يديم هذه النعمة علينا أعواماً عديدة ولكن لكل شيء أجل والنفط أساس اقتصادنا يواجه استهلاكاً شرساً من قبل الدول الصناعية فاق التوقعات وذلك على حساب الاحتياطي العالمي من النفط لذلك أعيد تساؤلي كيف سيكون عمراننا في مرحلة ما بعد النفط؟ نحن الآن نملك أهم عنصرين أساسيين لإيجاد الحلول المناسبة لاستقبال ذلك الواقع فلدينا المال عصب الحياة الحديثة ولدينا الوقت اللازم للتفكير وإيجاد البدائل والحلول والأسس والمعايير التي تبنى عليها مرحلة ما بعد النفط ولدينا الوقت الكافي للتجربة والدراسة واستقراء ردود الأفعال لكل حل يقترح. مساكننا الحديثة تكلف الكثير من الجهد والمال ابتداء من تكلفة الأرض والبناء والأثاث ثم التشغيل ومع ازدياد أسعار الأراضي وارتفاع أسعار مواد البناء والأيدي العاملة عاماً بعد عام فسيكون من الصعب مستقبلاً على شريحة كبيرة من المجتمع تملك سكن لائق مع الأخذ في الاعتبار الأراضي الممنوحة من الدولة وقروض صندوق التنمية العقارية رغم بُعد أراضي المنح عن مراكز الخدمات الرئيسية وتأخر قروض الصندوق لمدة زمنية طويلة فالسؤال الذي يتبادر إلى ذهن كل معماري ومهتم بمستقبل العمران والعمارة في بلادنا هو هل نموذج المسكن الحالي والذي يسكنه معظم سكان المملكة هو الحل الأمثل والأفضل والنهائي وفي كل الظروف؟ الجواب في نظري كمعماري حتماً لا. ان مساكننا الحالية تتناسب طردياً مع ما نملكه من إمكانيات مادية ومع ذلك فالعديد من أفراد المجتمع لا يستطيعون امتلاك سكن لائق، أنا لا أنظر إلى المستقبل بنظرة متشائمة ولكن ربط المسكن بشكله الحالي المتضخم وبتكلفته الباهظة بالوضع الاقتصادي واعتماد دخلنا الأساسي على مادة طبيعية قابلة للنضوب أو لاحلال بديل عنها في عالم الطاقة يجعلنا في قلق تجاه مستقبل المسكن السعودي فهناك مؤثرات كثيرة تؤثر على تكوين المسكن وبالتالي تكلفته وهي الترمومترالمادي والمعنوي لقيمة المسكن ولابد من دراستها جميعاً للخروج بمعايير محدودة تكون بمثابة مفاتيح أي حل يقترح للوصول إلى مسكن لائق مناسب لمعظم الظروف وللوصول إلى ذلك لابد من تكاتف جهود كثيرة تساهم فيها جهات ذات علامة مباشرة فلدينا العديد من كليات العمارة والتخطيط وأبحاث البنية ولديها القدرة على البحث والدراسة وتوجيه منسوبيها لدراسة تلك المجالات إلاّ ان معظم تلك الجهود تكون فردية بشكل بحث أو دراسة شخصية فهي بذلك تحتاج إلى مظلة عالية وإدارية تنظم تحت لوائها كل تلك الأعمال والأبحاث والدراسات هناك مؤثرات مستقبلية كثيرة تواجه حركة العمارة والعمران في المملكة يحتاج إلى حلها إنشاء مركز متخصص لأبحاث العمران والعمارة يعتمد في منهجه على إجراء الدراسات والبحوث والتجارب العلمية والعملية لكل ما يخص عملية البناء والتشييد ومواد البناء وعلاقة المناخ والبيئة والطبيعة بالعمران ويركز في أبحاثه ودراساته على محاور أساسية في مجال التشييد والبناء والعمران تحت مظلة علمية وإدارية متخصصة وذات علاقة بهذا المجال على ان يبحث في المجالات التالية: - الوضع المستقبلي للعمران في بلادنا والتركيز على مقومات البناء والتشييد المستقبلية وتقييم المرحلة الحاضرة واستقراء الآراء والأفكار للمرحلة القادمة مرحلة عمارة ما بعد النفط. - علاقة العمران بالطبيعة ومدى تأثير مخرجات التشييد والبناء على الطبيعة من خلال تأثير مواد البناء والتلوث وتغيير التكوين الطبوغرافي للأرض كإزالة الجبال وتسوية الهضاب وسد مجاري السيول والبناء ببطون الأودية. - مستقبل التخطيط العمراني للمدن على ضوء التوسع العمراني الكبير وعجز الخطط المستقبلية عن ملاحقة اتساع المدن وزيادة السكان وما يترتب على ذلك من زيادة في رقعة المدن واتساع نطاق خدماتها البلدية وتأثير الهجرة إليها مما يؤدي إلى خرق نطاقها العمراني. - مستقبل الوضع المعماري للأحياء والمساكن وإعادة تقييم المسكن الحالي وعدم التسليم بكونه الأنسب للمجتمع السعودي مع الأخذ في الاعتبار فتكلفته المادية العالية وافتقار مواد بنائه إلى المحلية في التكوين ودراسة مستقبل وضع الأحياء الحالي وتأثيرها الاجتماعي على السكان.