ذكر تقرير اقتصادي عن الموازنات السنوية لدول مجلس التعاون الخليجي لعام، 2008أنه مع استمرار ارتفاع أسعار النفط في عام 2007وبداية عام 2008وبلوغها 110دولارات للبرميل تكون دول مجلس التعاون الخليجي قد تجاوزت كل الترسبات السلبية التي ترتبت على انخفاض أسعار النفط في نهاية التسعينات من القرن الماضي . وقال تقرير لصحيفة مصرف الإمارات الصناعي في عددها لشهر ابريل - نيسان الجاري حصلت "الرياض" على نسخة منه أنه في عام 2003تم تجاوز العجز في الموازنات الخليجية، أما في الأعوام الثلاثة الماضية، فقد انخفضت الديون الحكومية في بعض دول المجلس من 115% من الناتج المحلي الإجمالي الى 19% فقط، وهو ما يشكل نقلة نوعية للأوضاع المالية في هذه البلدان . ويلاحظ ارتفاع الفائض المعلن في موازنات دول المجلس في العام الحالي ليصل الى 39.05مليار دولار، مقابل 32.90مليار دولار العام الماضي وبارتفاع 18.7% . وحسب التقرير فقد تم اعتماد ما بين 40و 45دولاراً للبرميل عند إعداد كافة الموازنات الخليجية، إلا أن تجاوز سعر برميل النفط ل 100دولار في نهاية عام 2007سيضاعف هذا الفائض عدة مرات، كما أنه سيحول العجز في موازنتي سلطنة عمان ومملكة البحرين الى فائض مع نهاية العام، كما حدث في موازنتي عام 2006في هذين البلدين . لقد تحقق هذا الفائض على الرغم من الارتفاع الكبير في النفقات الحكومية والتي ارتفعت بنسبة 19% في عام 2008لتصل الى 200.28مليار دولار، مقابل 168.37مليار دولار في موازنات عام 2007.وأسهم ارتفاع الإنفاق الحكومي في تنشيط الأوضاع الاقتصادية في دول المجلس وفي تنفيذ المزيد من المشاريع البنيوية، كما ارتفع حجم الاستثمارات الحكومية في إقامة مشاريع صناعية استراتيجية، وبالأخص في القطاعات البتروكيماوية ومنتجات النفط . وإذا كانت طفرتا النفط في منتصف السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي قد أسهمتا في إنجاز معظم مشاريع البنية التحتية، فإن الطفرة الثالثة الحالية تسهم في إقامة مشاريع تنموية استراتيجية لتنويع مصادر الدخل القومي، وهو ما يعني إمكانية حدوث نقلة نوعية أخرى في الاقتصادات الخليجية . وبالإضافة الى هذه التطورات الإيجابية، فإن حجم الإنفاق الحكومي وزيادة استثمارات القطاع الخاص أدت الى زيادة وتائر النمو الاقتصادي، وبالتالي الى زيادة الضغوط التضخمية وارتفاع الأسعار، بل وتضاعفها في بعض الأحيان، مما زادت من الأعباء المعيشية والتي حاولت بلدان المجلس المساهمة في حلها عن طريق زيادة الرواتب ومراقبة الأسعار في الأسواق الخليجية . وأدت هذه التطورات الى بروز ظواهر جديدة تختلف عن تلك التي سادت طوال عقدي الثمانينات والتسعينات واللذين شهدا عجزاً مستمراً في الموازنات السنوية مع استقرار في معدلات النمو والتضخم في بلدان المجلس، في الوقت الذي تشهد هذه البلدان في الوقت الحاضر معدلات نمو مرتفعة ومستويات تضخم لم تشهدها طوال الخمسين عاماً الماضية . وصاحب ذلك تضاعف تكاليف مشاريع البنية التحتية والمشاريع الاستثمارية في مختلف القطاعات الاقتصادية، فبعض مشاريع البنية التحتية التي قدرت تكاليفها ب 5مليارات دولار قبل خمس سنوات ارتفعت هذه التكاليف الى 10مليارات دولار خلال عمليات التنفيذ . ومثلما شكل العجز في الموازنات السنوية قضية عملت دول المجلس على التعامل معها وحلها، فإن ظاهرة التضخم وارتفاع تكاليف إقامة المشاريع وزيادة أسعار السلع والخدمات التي تعاني منها دول المجلس حالياً لا تقل أهمية عن مشكلة العجز وارتفاع الديون الحكومية والتي تميزت بها سنوات التسعينات . لذلك، فإن التعامل مع هذه الظواهر المستجدة وإيجاد الحلول لها سيسهم في التخفيف من الانعكاسات السلبية لارتفاع الأسعار، وبالأخص أسعار السلع المستوردة، وهو ما ينتج عنه ما يسمى بالتضخم المستورد والذي يشكل نسبة كبيرة من إجمالي التضخم في هذه البلدان، وكذلك ارتباط خمس من العملات الخليجية بالدولار الأمريكي، وهو ما يؤدي الى الالتزام بأسعار الفائدة التي يقرها بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي والتي هي في الحقيقة لا تتناسب بتاتاً مع الأوضاع الاقتصادية في دول المجلس . ونظراً للتوقعات التي تشير الى استمرار بقاء أسعار النفط عند معدلاتها المرتفعة في السنوات المقبلة، فإنه يتوقع أن ترتفع معدلات الإنفاق الحكومي في دول مجلس التعاون الخليجي وأن تزداد الضغوط التضخمية ويستمر ارتفاع تكاليف إقامة المشاريع التنموية، مما يعني استمرار التغيرات الهيكلية في الاقتصادات الخليجية في الفترة المقبلة . وبما أن هذه التغيرات تكتسب المزيد من الطابع المالي والنقدي، فإن حلها بصورة جماعية من خلال السوق الخليجية المشتركة وإصدار عملة خليجية موحدة ستسهم في تجاوز الكثير من السلبيات التي يمكن أن تتمخض عن النمو الاقتصادي المتسارع وما تصاحبه من ظواهر تضخمية.