عُقد في المنامة الأسبوع الماضي مؤتمر نظمته غرفة تجارة وصناعة البحرين واتحاد غرف دول مجلس التعاون، وخُصّص لمناقشة ظاهرة التضخم وارتفاع الأسعار في دول مجلس التعاون، وقد أظهرت معظم الدراسات التي قدمت في هذا المؤتمر - الذي لي شرف المشاركة فيه - أن الارتفاع غير المسبوق في الإيجارات هو أحد أهم العوامل - إن لم يكن العامل الأهم - في ارتفاع الأسعار. وبناءً على ذلك اتخذ عدد من دول المجلس تدابير مهمة للحد من ارتفاع الإيجارات، ومن آخر ما تم في هذا الشان القانون رقم 9لعام 2008الذي أصدرته دولة قطر الشهر الماضي ونص على عدم جواز رفع الإيجارات لمدة عامين، وكانت قطر قد أصدرت منذ عامين قانوناً آخر وضع حداً أقصى للإيجار لا يتجاوز 10% سنوياً. والواقع أن تحديد الإيجارات أمر تشترك فيه الدول الصناعية والنامية على وجه سواء، خاصة في وقت أزمات الإسكان، ففي الولاياتالمتحدة يتم تحديد الإيجارات في 51مدينة ومقاطعة، ومن ابرز الأمثلة على ذلك مدينة نيويورك التي تقوم في الوقت الحاضر بتحديد زيادة الإيجارات في ظل قانون سُنّ في عام 1946بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وظهور أزمة سكن حادة في المدينة، وحين أدركت حكومة المدينة التي يقطنها أكثر من ثمانية ملايين شخص فائدة هذا القانون استمرت في تطبيقه حتى اليوم مع تعديله ليتناسب مع الظروف المتغيرة. وتقوم الحكومة من خلال "مجلس تنظيم الإيجارات" Rent Control Board سنوياً بوضع الحد الأقصى الذي يمكن زيادته على الإيجارات وفقاً لمعدل التضخم في مواد الصيانة، خاصة في الطاقة، حيث ينص القانون على أن يقوم المالك بتزويد السكن بالتدفئة، ولهذا فإن من العدل أن يتم تعديل الإيجار سنوياً بما يتفق مع زيادة تكلفة الطاقة. ويقوم المجلس بتحديد الزيادة بعد دراسة لتكلفة الصيانة والاستماع إلى شهادات من الملاك والمستأجرين تستمر أسابيع، يصدر المجلس بعدها قراراً يضع الحد الأقصى للإيجار. وعلى سبيل المثال نص قرار المجلس في يونيو الماضي على ألا تزيد قيمة الإيجار على 4.75% وذلك لجميع العقود السنوية التي يتم تجديدها بين أكتوبر 2007وسبتمبر 2008م، أما العقود ذات السنتين فلا تتجاوز الزيادة 3.85% سنوياً. والواقع أن تحديد الزيادة السنوية في إيجار المباني القائمة أمر مشروع وضروري، تفتضيه العدالة والسياسة الاقتصادية الحكيمة على حد سواء، خاصة في ظروف الغلاء التي تعيشها المنطقة. ولا يتضرر صاحب الملك على الإطلاق من هذا التحديد خاصة في المملكة العربية السعودية حيث لا يلتزم صاحب الملك عادة بأي صيانة تُذكر، ولهذا فإنه لا يخسر شيئاً ولا يتأثر بعوامل الغلاء. أما السماح للملاك برفع الإيجارات دون قيود فهو في أثره إذن بالكسب غير المشروع وهو ما يتعارض مع الأسس التي تنبني عليها جميع النظم القانونية.