لا ينبغي للمرء أن يكون خبيراً استراتيجياً كبيراً ليدرك أن مبادرة انابوليس تحتضر. والآمال والتوقعات الكبيرة من جانب الرئيس الأمريكي بوش ورئيس الحكومة أولمرت في الاتفاق على أسس التسوية النهائية في موعد أقصاه نهاية العام 2008قد تبددت. وكالعادة لم يضيع الفلسطينيون الفرصة لتضييع هذه الفرصة. زعماؤهم منقسمون الى جيدين وسيئين. الجيدون مستعدون للحديث معنا عن السلام، لكنهم ضعفاء لدرجة لا يمكنهم معها التوصل الى أي اتفاق باسم الشعب الفلسطيني. السيئون يريدون أن يرونا ببساطة أمواتاً. ولتحقيق ذلك تحالفوا مع "محور الشر" محور إيران وحزب الله ومع كل الدول والجهات الإسلامية المتطرفة. وفي ظل وضع كهذا أمام إسرائيل خياران، الأول الجلوس مكتوفة اليدين وهذا معناه تضييع لوقت مصيري. أو إطلاق مبادرة سياسية جديدة واستئناف المحادثات مع سوريا. وفي هذه الفترة التي بدأ الضعف يظهر على دول المنطقة بينما تزداد المنظمات الإرهابية قوة التي لا ترى أي حق لإسرائيل في الوجود كدولة فمن المهم العمل على فصل سوريا عن إيران ومن حزب الله وعن بقية المنظمات الإرهابية في أراضيها. دان مريدور الذي رأس لجنة بلورة نظرية الأمن الإسرائيلية (التي أقامها ارئيل شارون وشاؤول موفاز) وصل بعد أربع سنوات من الدراسة الى نتيجة مفادها أن مناحيم بيغن قام بخطوة تاريخية عندما ركز على السلام مع مصر الدولة الأقوى والعدو الأصعب لإسرائيل منذ إقامتها. بعده عمل اسحاق رابين على بلورة اتفاق سلام مع الأردن وهي الدولة الثانية بين الدول الخمس التي هاجمت إسرائيل عام 1948هذا السلام الذي بقي قائماً ومتماسكاً لسنوات طويلة وحظي برعاية الولاياتالمتحدة وأوروبا وخلق نوعاً من الطمأنينة والاستقرار في المنطقة. ومع هبوب رياح غير جيدة من الشمال فسيكون جذب سوريا الى عجلة السلام خطوة مريحة الى حد كبير. من ناحية التوقيت يرى مريدور أن سوريا ضعفت في أعين جيرانها العرب. ومع قضية مقتل رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري والخوف من وقوف الرئيس الأسد شخصياً أمام المحكمة الدولية في لاهاي أثارت سوريا غضب جيرانها، ووفقاً لمصادر أجنبية فقد كان موقف الدول العربية من تدمير إسرائيل لموقع سوري داخل أراضيها مفاجأة حيث إن هذه الدول لم تبال نهائياً بهذا الحادث. في ظل العزلة التي تعيشها سوريا وغضب أخواتها العربية منها والمقاطعة من جانب الولاياتالمتحدة فان هذه هي اللحظة المناسبة لإسرائيل لدعوة سوريا للوقوف مع العرب الجيدين وإغراء إدارة بوش أو الإدارة التي بعده لدعم مبادرة التفاوض بين الجانبين. الأسد الأب والأسد الابن ليسا طرفاً سهلاً على طاولة المفاوضات، وتثبت 35سنة من الاتفاقيات على الجبهة السورية أن سوريا تحترم التزاماتها. من جهتها رأت شعبة المخابرات التابعة للجيش أن فصل سوريا عن "محور الشر" يمكن تحقيقه إذا رافق ذلك دعم أمريكي. سوريا ليست في مكانها الطبيعي بتحالفها مع إيران. طوال السنوات الماضية جرت اتصالات ومحادثات متفرقة بين دمشق وتل أبيب أجراها كثيرون منهم كيسنجر، كلينتون، نتنياهو وباراك لكن الرئيس الأسد الذي كانت خطاباته الطويلة مملة جداً للجالسين معه كان عنيداً. ويعرف أنه محسوب على الأقلية العلوية في سوريا وأصر على عودة الوضع الى سابق عهده بما في ذلك حق الجنود السوريين بوضع أرجلهم في مياه بحيرة طبريا. الأسد الابن رجل العالم الفسيح ظاهرياً منفتح على شاراتنا. ويعتقد ايهود باراك ومسئولو الأجهزة الأمنية بوجوب التفاوض مع سوريا لعدة أسباب أهمها ترسيخ الحدود الدولية المعروفة عالمياً لدولة إسرائيل وذلك لوضع حد لعدم الاعتراف بوجودها. أن التسوية مع سوريا ستغير الصورة الإستراتيجية للمنطقة، وتعزل إيران، وتشل المنظمات الإرهابية وتعزز موقف الأنظمة الإسلامية المعتدلة في المنطقة. وخلافاً للفلسطينيين الآن فان القيادة السورية التواقة للاعتراف الدولي تستطيع إتمام الصفقة، إن أدركت إسرائيل أيضاً أن للحدود المعترف بها ثمناً ليس بسيطاً لكنه يساوي السلام وهذا الثمن هو هضبة الجولان. (صحيفة هآرتس)