سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    مترو الرياض    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأمير سلمان: الملك عبدالعزيز لم يهدف إلى توسيع المّلك لأجل الحكم وإنما لخدمة دينه وشعبه والمسلمين
سمو أمير الرياض دشن انطلاقة مشروع موسوعة الحج والحرمين الشريفين.. وألقى محاضرة عن الملك عبدالعزيز في جامعة أم القرى

قام صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض رئيس مجلس دارة الملك عبدالعزيز المشرف العام على مشروع موسوعة الحج والحرمين الشريفين أمس بزيارة لجامعة أم القرى ولدى وصول سموه إلى المدينة الجامعية بالعابدية كان في استقباله مدير جامعة أم القرى الدكتور عدنان بن محمد وزان ووكلاء الجامعة ووكيل امارة منطقة مكة المكرمة الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الخضيري والأمين العام لدارة الملك عبدالعزيز ورئيس مشروع موسوعة الحج والحرمين الشريفين الدكتور فهد بن عبدالله السماري.
وفور وصول سموه افتتح المعرض الخاص بحياة الملك عبدالعزيز آل سعود رحمه الله الذي أعدته دارة الملك عبدالعزيز بالتعاون مع جامعة أم القرى والذي اشتمل على معروضات من دارة الملك عبدالعزيز عن مكة المكرمة.
كما تجول سموه داخل جناح جامعة أم القرى الذي يضم العديد من الصور عن مكة المكرمة والمشاعر المقدسة في هذا العهد الزاهر ودراسات عن الملك عبدالعزيز آل سعود طيب الله ثراه إلى جانب نماذج من بواكير الصحف السعودية وبعض المعروضات من متحف جامعة أم القرى إضافة إلى العديد من الصور الفوتوغرافية والمطبوعات والنشرات التي تحكي عن حياة الملك عبدالعزيز آل سعود رحمه الله.
وقد استمع سموه إلى شرح مفصل عن محتويات المعرض من قبل الدكتور فهد بن عبدالله السماري اثر ذلك قام سمو أمير منطقة الرياض بتدشين موسوعة الحج والحرمين الشريفين حيث قام سموه بالتوقيع على الكتاب الذي أصدرته الدارة الخاص بذلك ايذاناً بانطلاق أعمال المشروع العملية والبحثية.
أثر ذلك بدأ الحفل الخطابي بتلاوة آيات من الذكر الحكيم.
ثم ألقى مدير جامعة أم القرى الدكتور عدنان بن محمد وزان كلمة رحب فيها بسمو أمير منطقة الرياض رئيس مجلس دارة الملك عبدالعزيز وشكره على تلبية دعوة الجامعة والتحدث في أمسية ثقافية عن حياة المؤسس الملك عبدالعزيز ومكة المكرمة.
وعدد بعض الإنجازات التي سطرها الملك عبدالعزيز رحمه الله في أم القرى المتمثلة في إقامة المؤسسات التعليمية والثقافية والمرافق التنظيمية ومجلس الوكلاء ومجلس الشورى علاوة على أول مديرية للمصارف العامة والمعهد العلمي السعودي وكلية الشريعة والدراسات الإسلامية وكلية المعلمين وكذا كلية التربية التي تعد النواة الأولى لجامعة أم القرى ومنطلق التعليم العالي في الجزيرة العربية إضافة على العناية الخاصة بعمارة المسجد الحرام وقاصديه من الزوار والمعتمرين وضيوف الرحمن مشيراً إلى المكانة العظيمة التي تحتلها مكة المكرمة في قلب المؤسس طيب الله ثراه.
وأكد ان افتتاح سمو أمير منطقة الرياض لموسوعة الحج والحرمين الشريفين يعد امتداداً للتاريخ العريق والعناية التامة بالحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة التي كانت ومازالت تحظى بها من قادة هذه البلاد المباركة.
وأعلن الدكتور الوزان موافقة مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز على إنشاء مركز تاريخ مكة المكرمة يكون مقره بجامعة أم القرى وتشرف عليه دارة الملك عبدالعزيز ويتابع شؤونه مجلس برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض ونيابة سمو الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة مشيراً إلى انه سيتم في القريب العاجل عقد اجتماع للمجلس لاقرار لوائح المركز وآليته.
كما دعا الجميع إلى الاسهام لدعم هذا المركز من خلال الوقف الذي سيخصص له ودعوة الباحثين والباحثات للمشاركة في برامجه وأنشطته لأنه يتعلق بتوثيق تاريخ أغلى منطقة في قلوب الجميع مؤكداً ان هذا المركز هو امتداد لحرص خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين على خدمة مكة المكرمة والحرمين الشريفين وما يتصل بهما من توثيق ودراسة.
بعد ذلك ألقت الدكتورة هيفاء بنت عثمان فدا كلمة الهيئة التعليمية بالجامعة أعربت فيها عن شكرها العميق لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض على تشريفه للجامعة في هذه الأمسية الثقافية التي تتألق بالكلمة والتاريخ مشيرة إلى ان هذه الأمسية تشنف الاذان بما لم يقرأه أحد من قبل عن مؤسس هذا الكيان الشامخ.
وتطرقت إلى ما حظي به تعليم المرأة في المملكة العربية السعودية في عهد المؤسس رحمه الله من عناية واهتمام حيث حرص رحمه الله منذ أوائل حكمه بافتتاح المدارس والمعاهد وتشجيع العلم ومؤسساته وجعله رحمه الله تعليم البنات في هذه البلاد المباركة تجربة فريدة منطلقة من سياسات تعليمية واضحة محددة المسارات والأهداف ومنسجمة مع شريعتنا الإسلامية الغراء وموافقة لطبيعة المرأة وفطرتها وتكوينها.
ونوهت بما يوليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ول عهده الأمين حفظهما الله من عناية وتشجيع واهتمام بالغ بالمرأة السعودية مما مكنها ويمكنها بعد عون الله وتوفيقه من أداء دورها في إطار منسجم مع عقيدتنا ومبادئنا وتقاليدنا وعاداتنا مشيدة بالثقة الكريمة التي أولاها خادم الحرمين الشريفين رعاه الله في قدرات المرأة القيادية حيث كانت أول جامعة للبنات بإدارة أكاديمية نسائية سعودية متمنية من خادم الحرمين من إنشاء جامعة للبنات بمكة المكرمة على غرار جامعة البنات بالرياض وتسمى جامعة مكة للبنات.
الأمير سلمان يلقي المحاضرة
بعد ذلك، ألقى صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض رئيس مجلس دارة الملك عبدالعزيز محاضرة عن حياة الملك عبدالعزيز في مكة المكرمة قال فيها:
الحمدلله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يطيب لي في هذا المساء أن أكون معكم في صرح من صروح العلم، وفي رحاب هذا البلد المقدس، وبيت الله العتيق الذي تهوي إليه أفئدة المسلمين، وأشكر معالي الأخ الدكتور عدنان الوزان، مدير جامعة أم القرى، وزملاءه على دعوتي لزيارة الجامعة.
كما يطيب لي أن أدشن هذا المساء في الجامعة أعمال (موسوعة الحج والحرمين الشريفين) التي صدرت الموافقة السامية الكريمة عليها باهتمام من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، والتي تقوم عليها دارة الملك عبدالعزيز بالتعاون مع معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج في جامعة أم القرى، والرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرم والمسجد النبوي، ووزارة الحج، ووزارة التعليم العالي، وبدعم مشكور من مجموعة بن لادن السعودية. ويشرفني أن أكون رئيساً لمجلس إدارة (مركز تاريخ مكة المكرمة) الذي أعلن عنه هذه الليلة، ومعي الأخ الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة، نائباً، متمنياً للجميع التوفيق والنجاح لخدمة هذه البلاد ورفعتها.
وأجدها فرصة مناسبة للحديث عن لمحات يسيرة من تاريخ الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود - رحمه الله -، في مكة المكرمة، وبعض الجوانب التأسيسية والإنسانية في حياته.
فتاريخه لا يقتصر على إنجازات التوحيد والبناء فقط، والتي هي مهمة ومعلومة للجميع، وإنما يتضمن جوانب كثيرة جداً تبرز فيها إنسانيته واهتمامه بجميع أنحاء البلاد وعلى رأسها مكة المكرمة والمدينة المنورة.
أيها الأخوة:
عاشت الجزيرة العربية قروناً طويلة من عدم الاستقرار، وعدم الأمن، وضعف الدين عند الناس، وانتشار دويلات كثيرة لا تتجاوز حدود قرية أو بلدة أو إقليم، بعد أن كانت قبل ذلك ولقرون عدة تنعم بالوحدة والاستقرار في فترة الدولة الإسلامية في عهد المصطفى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين - رضوان الله عليهم - والدولة الأموية والدولة العباسية. وجاءت الدولة السعودية لتعيد الاستقرار لهذه المنطقة على نهج الدولة الإسلامية الأولى، وتوحد أغلب أجزائها في دولة واحدة تقوم على الكتاب والسنة، وليس على أساس إقليمي أو قبلي أو فكر بشري. منذ أكثر من مائتين وسبعين سنة عندما تبايع الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمهما الله - على ذلك.
ونتيجة لهذا الأساس المهم، والالتزام به، عادت الدولة السعودية إلى الظهور مرة ثانية، ومرة ثالثة على يد الملك عبدالعزيز - رحمه الله -، وهو ما توقعه المؤرخ الفرنسي فيلكس مانجان عام 1239م، في كتابه (تاريخ مصر في عهد محمد علي) إثر سقوط الدرعية وقبل قيام الدولة السعودية الثانية، قائلاً:
(ولكن ذلك البلد.. يضم في جنباته بذور الحرية والاستقلال، فما زالت المبادئ الدينية نفسها موجودة، وقد ظهرت منها بعض البوادر، ومع أن أسرة آل سعود قد تفرقت، ومع أن الفوضى تعم بين الزعماء، فما زال هناك أُسُّ خصب يمكن للزمن والأحداث أن تجعله يتفتح من جديد..).
أيها الإخوة:
بدأ الملك عبدالعزيز إعادة تأسيس الدولة السعودية في سن مبكرة، وبأفراد قليلين، وجعل كلمة التوحيد هي الأساس، ولم يكن هدفه، توسيع الملك لأجل الحكم فقط، وإنما لخدمة دينه وشعبه، وخدمة المسلمين.
وفي الوقت الذي كان البعض ينادي بالوحدة العربية على أساس قومي دون تطبيق، انبرى يحقق تلك الوحدة عملياً في أغلب أرض الجزيرة برجاله الأوفياء في كل مكان في هذه البلاد. ورغم أن عبدالعزيز عدناني من جهة الأب، وقحطاني من جهة الأم، وتعكس عروبته الأصيلة هذه قوميته، إلا أن انتماءه للإسلام.
ولهذا قامت المملكة العربية السعودية على الكتاب والسنة، وليس على قومية ضيقة أو عصبية مقيتة، مما جعلها هدفاً للأعداء الذين حاولوا ومازالو يحاولون سلخها عن عقيدتها، لأنهم يعلمون أنه متى ما تخلت عنها فإن ذلك إعلان صريح بزوالها. ولاشك ان اعداء اساس هذه الدولة هم أولئك الذين يتطرفون باسم الإسلام، وهو منهم براء، ويصبحون أداة هدم وإرهاب، أو أولئك الذين يؤيدون أسلوب التحرر من الدين ومبادئه وينادون بالتخلي عنه.
وديننا يحثنا على الوسطية وهي: لا إفراط ولا تفريط، ولا غلو ولا جفاء.
أيها الإخوة:
عُرف الملك عبدالعزيز بتدينه الصادق والصحيح، الذي أسهم في نجاحه وتوفيقه، وانطباع شخصيته بقيم الإسلام ومبادئه الإنسانية.
وقد ذكر الشيخ عبدالله خياط - رحمه الله - الذي كان قريباً منه، في كتابه (لمحات من الماضي) ان الملك عبدالعزيز "إذا كان ثلث الليل الأخير تشعل له المصابيح الكهربائية، وينتهز هذه الفرصة الثمينة في قيام الليل، ويستمر في مناجاة ربه بآياته، ويضرع اليه ويبكي بكاء الثكلى، ويستمر على هذا الوضع حتى قبيل الفجر، فيوتر ثم يصلي الصبح في جماعة".
وكان - رحمه الله - يخصص اجتماعات سنوية لأسرته - رجالاً ونساءً - ليقدم لهم النصح، ويذكرهم بأساس هذه البلاد، ويوجههم بحسن معاملة الناس، والاهتمام بالفقراء والمحتاجين، وحفظ حقوق الناس، وإبراء الذمة.
وأذكر عندما كنت صغيرا انه كان يتابعنا دائما في جميع الأمور خاصة الصلاة والدراسة، إذ كنا نصلي جميع الفروض معه. وقد خصص - رحمه الله - غرفة خاصة في قصر المربع ليحجز فيها كل من يتخلف عن الصلاة معه بما في ذلك صلاة الفجر، وقد كنت واحداً من أبنائه الذين جربوا تلك الغرفة في يوم من الأيام. وكنا نهاب عدداً من الرجال من خاصته الذين كان يكلفهم بإيقاظنا ومتابعتنا يوميا في أداء الصلاة من هيبة الوالد، لعلمنا انهم يتلقون أوامر صارمة منه لمتابعتنا وكانت عمتي نورة - رحمها الله - هي من تشفع لنا عنده.
كما اهتم الملك عبدالعزيز بتعليم أبناء أسرته وأبناء شعبه، وكان يكلف بعض المشائخ والمدرسين لتدريسهم. وبعد ذلك خصص لأبنائه مدرسة في القصر، وعين لها مدرسين معظمهم من مكة المكرمة مثل الأستاذ أحمد العربي في بداية انشاء مدرسة الأمراء والشيخ عبدالله خياط، مدير المدرسة، وأحمد بن علي الكاظمي، وصالح خزامي، وعبدالمحميد الكاظمي رحمهم الله جميعا.
ولحرصه على متابعتنا في الدراسة، كان يكلف أحد خاصته بالوقوف أمام المدرسة لتفقدنا عند الدخول وإبلاغ الوالد بمن يتغيب منا او يتأخر عن الحضور. وذكر الشيخ عبدالله خياط في كتابه (لمحات من الماضي) ان الملك عبدالعزيز في احدى زياراته لمدرسة الأمراء، وفي لفتة تشجيعية كريمة من جلالته لأحد انجاله عندما رأى على ثوبه بقعة حبر حاول إخفائها عن نظر والده، قال: "لا تخفها، هذا عطر المتعلمين وطلبة العلم".
أيها الإخوة:
تعامل الملك عبدالعزيز مع من عارضه او حاربه من اجل اقامة هذه الدولة تعاملا انسانياً وكريما، حتى قيل انه ما من شخص عاداه وبقي حيا يرزق، الا عاد اليه طوعاً بسبب حسن تعامله وصدقه مع الناس، وإنسانيته. وتجسدت قمة هذا التعامل الإنساني لديه في منهجه - رحمه الله - بوضع الثقة في أولئك الرجال الذين كانوا خصومه ثم اصبحوا معه، حيث اسند اليهم المناصب القيادية في مجالات الإدارة والتعليم والجيش والمال والتشريفات وغيرها.
يقول خير الدين الزركلي - رحمه الله - في كتابه (شبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز) ان عبدالعزيز ابتسم مرة في مجلسه، وفي ضيافته الشيخ نوري الشعلان - رحمه الله -، شيخ قبائل الرولة العنزية، ففسر عبدالعزيز ابتسامته للضيف قائلا: هل ترى هؤلاء الجالسين حولك يا أخ نوري؟! ما منهم احد الا حاربته وعاداني وواجهته. فرد الشيخ نوري قائلا: سيفك طويل، يا طويل العمر. فأوضح عبدالعزيز ان السبب لم يكن السيف فقط، قائلاً: إنما احللتهم المكانة التي لهم أيام سلطانهم.. انهم بين آل سعود كآل سعود.
ومن خصائصه - رحمه الله - وفاؤه لمن وقف الى جانبه منذ البداية، وخاصة أثناء حملات التوحيد ونتيجة لنبل مقصده، وأساسه الصحيح، كان له انصار كثيرون في انحاء البلاد قبل توحيدها، وكان وفياً معهم ويعتني بهم لمواقفهم المخلصة.
اما العدل في شخصية الملك عبدالعزيز فسمة اساسية، لأنه من مقتضى الحكم الصحيح والشواهد كثيرة عن عدل عبدالعزيز وانسانيته، اذ كتب امين الريحاني في كتابه (ملوك العرب): كان الملك عبدالعزيز يراقب قافلة اناخت بالقرب من مخيمة في العقير وكان بها جمل متعب، فطلب صاحبه وأبلغه ان يترك الجمل يرعى ولا يعيده إلى القافلة رأفة به. وقال الملك للريحاني: "العدل عندنا يبدأ بالابل ومن لا ينصف بعيره يا حضرة الأستاذ لا ينصف الناس".
وفي موقف إنساني آخر نجد انه يضع نفسه محامياً عن المحتاج إلى ان يحصل على حقوقه. فها هي المرأة المسنة من أهل مكة المكرمة تصل إلى باب قصره بمكة وتشكو إليه أمراً في قضية ميراث لها قائلة ليس لديها من يدافع عن قضيتها. فأخذ جلالته ما بيد تلك المرأة من أوراق قائلاً: انه وكيلها في هذا الأمر، وقام بمتابعة قضيتها شخصياً مع المحكمة الشرعية حتى انتهت.
كان لا يرتاح عندما يشاهد وضعاً يقتضي العطف، فيبادر بمواقفه الرائعة التي تنبض بالرفق واللين والإنسانية. فقد ذكر عبدالعزيز الأحيدب - رحمه الله - في كتابه (من حياة الملك عبدالعزيز) أنه عندما جاء عبدالعزيز يتابع العمل في بناء القصر في المربع وكان ذلك في رمضان، شاهد عمالاً يقومون بالعمل تحت الشمس الحارقة فتوقف وسأل رئيسهم عن مواعيد عملهم فأجابه أنه من الصباح الباكر حتى العصر، فتعجب جلالته وقال: أنا لا أعمل بيدي واستعمل السيارة وأشعر بالعطش، من الآن وصاعداً لا تعملوا في رمضان أكثر من أربع ساعات في أول النهار ولكم أجركم كاملاً.
أيها الإخوة:
كان عبدالعزيز ينظر إلى شعبه دائماً بأنهم جزء لا يتجزأ منه، وكان يستقبل المواطنين من أنحاء البلاد في الرياض أو أينما يكون ليقابلوه ويستفيدوا من كرمه الفطري، وكان يعتني بهم، ويسأل عن احتياجاتهم وأحوالهم. فعندما اشتدت الأزمة الاقتصادية بسبب الحرب العالمية الثانية أقام المخيمات والمطابخ والمخابز والمبرّات في أنحاء البلاد لتوفر للمواطنين احتياجاتهم الأساسية من الغذاء.
وكان - رحمه الله - يأخذ معه دائماً صراراً فيها نقود فضة في السيارة ليساعد بها من يقابلهم من المحتاجين في الطريق. فلقد روى خير الدين الزركلي في كتابه، ان الملك في يوم من الأيام كان يتجه نحو عرفة ورأى جمّالاً، وسأله عن أحواله، ثم ناوله صرة نقود وبعدما تحركت السيارة قال السائق للملك بأن الصرة التي أعطيت للرجل كانت ذهباً وليست نقوداً فضة فطلب الملك من السائق العودة إلى الرجل، وأعتقد السائق ان الملك سيستعيد تلك الصرة ويستبدلها بأخرى لكنه فوجئ بأن الملك ينبهه ان الصرة التي أعطيت له هي صرة ذهب، حتى لا يخدعه أحد لعدم معرفته بذلك، وأمر السائق ان يمضي في المسير قائلاً: أعطاه الله.
كما ارتبط كرمه بإنسانيته - رحمه الله - إذ كان يعطف على الناس ويتفقد شؤونهم ويتولى بنفسه توزيع الصدقات. كما كان - رحمه الله - يكلف أفراداً من أسرته وغيرهم - رجالاً ونساءً - لتوزيع الصدقات على المحتاجين والمساكين وتفقد أحوالهم في جميع أنحاء المملكة.
فمن المواقف الإنسانية المؤثرة لكرم الملك عبدالعزيز ما ذكره خادم الحرمين الشريفين الملك فهد - يرحمه الله - في إحدى خطبه، رواية عن والده بشأن ما كان يقوم به ليلاً بنفسه دون علم الآخرين من الاحسان للضعفاء والفقراء خاصة في العشر الأواخر من شهر رمضان كل عام، ومن بينهم امرأة عجوز من أسرة يعرفها يقول الملك عبدالعزيز: أعطيتها مبلغاً من المال فأمسكت بي والدنيا ظلام، وقالت: من أنت؟ ولم أقل لها شيئاً، لأني لا أريد ان تعرفني قالت: أنت عبدالعزيز؟ قلت لها: نعم أنا عبدالعزيز، فاستقبلت القبلة وفتحت جيبها وقالت: قول آمين، إن الله يفتح لك خزائن الأرض وبعد ان ظهر الزيت عندنا عرفت ان هذا هو خزائن الأرض.
كما امتدت إنسانية عبدالعزيز لتشمل الأيتام والعناية بهم. ففي عام 1355ه ، كما جاء في صحيفة أم القرى وافق على إنشاء أول مدرسة ودار للأيتام في مكة المكرمة، وكلف عدداً من أبناء مكة المكرمة لإدارتها ومتابعتها. وكان - رحمه الله - يتفقد هذه الدار ويلاطف الساكنين فيها ليشعرهم بقيمتهم ومكانتهم ويساعدهم ليعوضهم عن فقدان والديهم كما أسس عدداً من مدارس ودور للأيتام واليتيمات في أنحاء المملكة.
أيها الاخوة:
تعد مكة المكرمة والمدينة المنورة أعز الأماكن في نفس الملك عبدالعزيز - رحمه الله - حيث أعطاهما جل اهتمامه، وقدم لهما ما يلزم من مال ووقت وأكثر من ذلك. فانتشر الأمن في أنحاء البلاد، وخاصة في مكة والمدينة، وأصبح الحجاج يسافرون ويؤدون مناسكهم وهم آمنون ومطمئنون. والجميع يدركون ماذا كان الأمن عليه في هذه البلاد قبل عبدالعزيز، وما اصبح عليه في عهده، وعهد ابنائه من بعده.
وكان - رحمه الله - يقضي كل عام في مكة وقتا طويلا قبل الحج وبعده، وكان يلتقي بجميع ابناء مكة كما هي عادته، وكنا نفرح ونحن صغار عندما نأتي الى مكة ونستمتع بالاقامة فيها، والدراسة في قصر السقاف حيث تنتقل مدرستنا، واتذكر انني كنت ابشر من يأتيني عند سماعي قرار سفرنا الى مكة مع الوالد.
ففي مكة المكرمة أرسى - رحمه الله - دعائم المشاركة الوطنية في ادارة شؤون البلاد الداخلية عندما اسس المجالس الأهلية والبلدية وجعلها بالانتخاب، واسس مجلس الشورى عام 1345ه ومقره مكة المكرمة، وفيها اصدر جريدة رسمية للمملكة العربية السعودية باسم (أم القرى) عام 1343ه وجعل مقرها مكة المكرمة.
وفي مكة المكرمة ايضا بويع الملك عبدالعزيز ملكا على الحجاز وسلطانا على نجد وملحقاتها في عام 1344ه حول باب الصفا بالمسجد الحرام، ثم طاف بالبيت العتيق، وصلى ركعتين مقام ابراهيم عليه السلام شكرا لله وحمدا للمولى عز وجل على توفيقه وتمكينه.
وفي مكة المكرمة ايضا اصدر الملك عبدالعزيز اول نظام شامل لادارة البلاد وحكمها، وهي التعليمات الاساسية في عام 1345ه اي بمثابة النظام الاساسي، كما صدرت في مكة المكرمة المئات من الأنظمة في عهد الملك عبدالعزيز لتساهم في بناء البلاد وتطوير جوانبها المختلفة، التي ما يزال معظمها يعمل به الى يومنا هذا.
وكان لأبناء مكة المكرمة اسهامهم الكبير في البناء الاداري والمالي المبكر، حيث كلفهم - رحمه الله - بعضوية العديد من الهيئات التأسيسية واللجان والإدارات، وغيرها.
وشهدت مكة المكرمة اعلان نظام ولاية العهد لأول مرة في البلاد حينما رفع عدد من اعيان مكة المكرمة اولا ثم اعيان المدينة المنورة وتلاها عدد من المدن الأخرى الى الملك عبدالعزيز يطلبون فيه تعيين الأمير سعود بن عبدالعزيز وليا للعهد، ونتيجة لذلك صدر قرار مجلسي الشورى والوكلاء بمكة المكرمة بمبايعة الأمير سعود بولاية العهد في عام 1352ه - وكان - رحمه الله - قد عين ابنه الملك فيصل، نائبا عنه في مكة عام 1344ه .
ومنذ دخول الملك عبدالعزيز مكة المكرمة وهو يولي المسجد الحرام والمشاعر المقدسة والأهالي والحجاج والمعتمرين اهتمامه الخاص، ومن اهتماماته المبكرة اجراء الاصلاحات والترميمات في المسجد الحرام وانارته بالكهرباء لأول مرة وتهيئة اماكن الطواف والسعي من خلال رصفها وتوسعتها، ونشر الأشرعة والمظلات لحماية المسلمين من حرارة الشمس اثناء أداء صلواتهم ومناسكهم، كما اهتم الملك عبدالعزيز بتهيئة مياه الشرب وبناء السبيل وتعمير عين زبيدة وبناء بئر زمزم، وانشاء مصنع لكسوة الكعبة لاول مرة في مكة المكرمة.
وعندما حدث السيل الكبير في مكة المكرمة عام 1360ه حرص الملك عبدالعزيز على حماية المسجد الحرام من اي اضرار فابرق الى عبدالله السليمان، وزير المالية قائلا: (من طرف ابواب الحرم جميع ما ذكرتم طيب، نفذوه بكل ما يمكن من السرعة، ولكن ربما يجيء سيل قبل ان تجهز الابواب، والذي اراه ان يعمل خشب قوي ويحط له مقبض حديد من يمين ويسار ويسقط فيه الخشب على قدر الذي يحمي من السيل، ويحط فوق الخشب شيء ثقيل حتى لا يشيله السيل، وهذا مؤقت حتى تحضر الأبواب الحديد) هذا هو عبدالعزيز في صدقه مع ربه، وحرصه على بيت الله، واخذه الحيطة لاي امر محتمل لمنع الضرر.
ايها الاخوة:
هكذا حقق الملك عبدالعزيز وحدة البلاد ووحدة المواطنين، وانجز اسس البناء في المملكة وعلى رأسها توسعة الحرمين الشريفين، ليستكمله ابناؤه من بعده الملك سعود، والملك فيصل، والملك خالد - رحمهم الله - على نهجه وسياسته، وفي عهد الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - تواصلت مسيرة البناء في البلاد، وتحققت اضخم توسعة للحرمين الشريفين من منطلق العناية الخاصة التي يوليها قادة هذه البلاد لهذه الأماكن المقدسة.
كما يعد اصدار انظمة الحكم الثلاثة (النظام الأساسي للحكم، ونظام مجلس الشورى، ونظام المناطق) في عهد الملك فهد من العلامات البارزة في مسيرة البلاد التي انطلقت في الرياض مستمدة اساسها من تلك الأنظمة التي صدرت في مكة المكرمة، وكان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مشاركا لأخيه الملك فهد بن عبدالعزيز وهو يضيف المزيد من الإنجاز لهذه البقعة المباركة، وكان مثالا للوفاء معه عند مرضه في آخر حياته، مما يعكس قوة الاسرة في تماسكها وتلاحمها وتعاونها من أجل رفعة هذه البلاد وخدمة مواطنيها.
واليوم هاهو خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز واخوه سمو ولي عهده الامين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز، يواصلان هذه المسيرة التنموية الخاصة بالبلاد ويقدمان المزيد من الانجاز والاهتمام بالحرمين الشريفين ويعد وقف الملك عبدالعزيز الذي خصصه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله لخدمة الحرمين الشريفين وصدور أمره الكريم من مكة المكرمة بانشاء هيئة البيعة عام 1427ه ولائحتها التنفيذية عام 1428ه من الانجازات التاريخية المتعددة التي تسجل له - حفظه الله -
اسأل الله ان يوفقنا دائما لخدمة هذه البلاد الطاهرة، واهلها الأوفياء وكافة الأمتين العربية والإسلامية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ثم رد سموه على مداخلات الحضور وفي نهاية المحاضرة تسلم سموه الهدايا التذكارية من مدير الجامعة ووكيلها د. هاشم بكر حريري والتي شملت صور الملك عبدالعزيز لحظة دخوله مكة المكرمة وصورة الكلمة التي القاها الأمير سلمان بن عبدالعزيز في مناسبة تاريخية في مكة المكرمة والبوم صور لسموه ثم اعلن مدير الجامعة عن منح الجامعة الدكتوراة الفخرية في الآداب لسمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز بمناسبة زيارته الجامعة وتقديراً وعرفاناً لسموه لجهوده في خدمة الاسلام والمسلمين، ثم شرف سموه حفل العشاء الذي اعدته الجامعة بهذه المناسبة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.